للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

وكيف يخبر جبريل عن الله أن المسيح يجلس على كرسي داود ويملك على أسباط بني إسرائيل ويخلف ذلك فلا يجري منه حرف واحد بل يجري نقيضه؟!.

فيرذل يسوع ويقهر ويطاف به مُهاناً ويُشهر، ويأرق من شدّة الفرق ويسهر، ويقرن مع الصوص ويسب وينهر ويقتل ويصلب ويقبر وينصدع شمل أصحابه بمصابه، فلا يجبر هذا ما لا يصدر / (١/١٠٤/أ) عن جهال الكهان، فكيف يصدر من رئيس ملائكة الرحمن؟! ثم العجب من قولهم أن يسوع جاء ليقتل ويصلب ويهان، لا والله، ولا كرامة ولا ينبغي لمن عنده أدنى مسكة من عقل أن يعرض دابته وكلبه لهذه المحن، فكيف بالإله الذي تقوم السماء والأرض بأمره ويجري بتقديره حلو العيش ومره؟!.

وكيف إذ عزم على هذا الخاطر الرديء وتنفس بهذا النفس الصدى لم تمنعه التلاميذ ويشيروا عليه بالإضراب عن هذا الرأي الغائل ويعرفوه أن الخلائق تهلك بهلاكه وتعدم بعدمه؟!.

ومن الذي يرزق البغاث١ في عشه إذا حمل الإله على نعشه أو يرسي الجبل في رأسه٢ وقد حصد الرّبّ في رمسه٣؟!.

فإن أجاب إلى الصواب وإلاّ ربطوه وضبطوه وشدّدوا عليه في الحجر واعتقدوا في ذلك الثواب والأجر.

فانظر - رحمك الله - ما أقبل عقول هؤلاء القوم إلى الترهات التي تمجها الأسماع وتأباها الطباع.


١ البغاث: من الطير ما لا يتصيد ولا يرغب في صيده. لأنه لا يؤكل. قاله الأزهري، وقال ابن السكيت: طائر أبغَث دون الرخمة بطيء الطيران. والجمع: "البغاث"، كالحمام، وفيه قول المثل: إن البغاث بأرضنا يستنسر، أي: الضعيف يصير قويّاً بأرضنا. (ر: المصباح المنير ص ٥٦) .
٢ الأس: أصل البناء. (ر: القاموس ص ٦٨٢) .
٣ الرَّمس: كتمان الخبر، والدفن والقبر. (م س ص ٢٠٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>