للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

أُفٍّ لترابٍ تغَشَّى وجه هذا الإله، وتبّاً لكفن ستر محاسنه، وسحقاً لجذع انتصب تحته صلب عليه، عجباً للسماء كيف لم تَبِدْ وهو سامكها وللأرض كيف مل تَمِدْ وهو ماسكها، وللبحار كيف لم تَغِض وهو مجريها، وللجبال كيف لم تَسِر وهو / (١/١٢٨/ب) مرسيها، وللحيوان كيف لم يصعق وهو مشبعه، وللكون كيف لم يمحق وهو مخترعه؟! وأنَّى استقام الوجود والرّبّ في اللحود، وثبت العالم على نظام والإله في الرحام؟! لقد لبس الكون ثوباً من القحة صفيقاً، واستمر على البقاء وكان بالفناء خليقاً - فإنا لله وإنا إليه راجعون على المصيبة بهذا الرّبّ والرّزية بهذا الإله، لقد ثكلته أمه التي خلقها وصوَّرها وعدمته الدنيا التي أبدعها وفطرها، فليت شعري هل قُسم ميرائه وعمل مأتمه؟ وهل أخذ بثأره أو سُلم مسلمه؟! هذا وأيبكـ١ الخذلان والتلاعب بالأديان.

وفي الفصل موضعان آخران يشعران بأن المصلوب رجل غير المسيح: أحدهما: شكواه العطش، فإنا نعلم أن الإنجيل مصرّح: "بأنّ المسيح كان يطوي أربعين يوماً أو أربعين ليلة"٢.

ويقول لتلاميذه: "إن لي طعاماً لستم تعرفونه"٣. ومن صبر عن الماء والطعام ثمانين [يوماً] ٤ وليلة لا يجزع من فراقه ساعة واحدة. وبذلك يتحقق أن العطشان غيره والمستسقي سواه.

والموضع الآخر: / (١/١٢٩/أ) قوله: "إلهي وإلهي لِمَ تركتني وخذلتني؟ "، (لِمَ) كما يُعلم كلمة تنافي الرضى بمر القضاء، وتناقض التسليم لأحكام الحكيم ويجل عن ذلك رتبة الصالحين فضلاً عن أكابر المرسلين.

فهذا وما شاكله من كلام المصلوب يوضح ما قلناه في الشبه، فإن أبى النصارى إلاّ أن يكون قائل هذا هو المسيح، قلنا لهم: ألم تزعموا أن المسيح تعنَّى


١ هكذا في ص.
٢ متى ٤/٢.
٣ يوحنا ٤/٣٢.
٤ في ص (يوم) والتصويب من المحقِّق.

<<  <  ج: ص:  >  >>