للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

ونزل ليؤثر العالم بنفسه ويُخلِّصه من الشيطان ورجسه؟! أفتقولون إنه تبرّم بالإيثار واستقال العِثار؟ ١.

آلم ترووا لنا عن التوراة أن إبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى وهارون كانوا حين احتضروا مستبشرين بلقاء ربّهم فرحين بانقلابهم إلى شعبهم، لم يجزعوا من الموت ولا هابوه ولا استَوبلَوا٢ مذاقه ولا أعابوه، هذا وهم عبيد. والمسيح بزعمكم ولدٌ وربٌّ، أفكان وثوقهم بالله فوق وثوقه، أم حظ المسيح عند الأب دون حظ رقيقه؟!

وأما قولهم في الفصل: "إن يسوع صرخ وأمال رأسه وأسلم روحه"، فمناسب لكلام/ (١/١٢٩/ب) المجانين، وإلاّ فكيف يتولى الميت في حال النزع تسليم روحه مع شدّة الأمر وعظم الخطب واشتغال البال في ذلك الوقت عن التسليم والتسلم؟! وإن امرءاً تجذب روحه من تحت كلّ شعره من جسده وقد أوثق كتاف ذبيحه، وبر بصره، وانحل عقد تماسكه، واستولت عليه الآلام، ورشقته من جميع جهاته سهام الحمام لغير مختار في تسليم روحه، والعجب من تجاسر هذا الحاكي على قول ما يقطع بكذبه فيه، وذلك أن تسليم روحه غير مشاهد بالعيان فيقع عليه بصر إنسان.

أين قول النصارى في شريعة إيمانهم: "نؤمن بالرّبّ الواحد يسوع المسيح الذي بيده أتقنت العوالم وخلق كلّ شيء، وليس بمصنوع الذي نزل من السماء لخلاص معشر الناس؟!!.

وكيف يصحّ لهم هذه الدعوى والمصلوب ينادي بحضرة اليهود: "إلهي إلهي كيف تركتني وخذلتني؟!! ".


١ العثار: الشّرّ. (ر: القاموس ص ٥٦٠) .
٢ استوبل الأرض: إذا لم توافقه وإن كان محبّاً لها. (ر: القاموس ص ١٣٧٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>