للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن زعمت أن الطبيعتين قد صارتا طبيعة ثالثة، لا تشبه واحدة من الأوليين، فهذا تصريح بأنّ هذه الطبيعة لا إله ولا إنسان. فكان ينبغي على سياق هذا القول أن لا يصفوا المسيح بأنه إله ولا يصفوه بأنه إنسان؛ بل شيء آخر غريب عجيب؛ وذلك / (٢/١٧/ب) لأن الطبيعتين كانتا قبل التركيب إلهاً كاملاً وإنساناً كاملاً، فإن كان التركيب قد أخرجهما إلى طبيعة غيرهما لم تكن تلك الطبيعة لا إلهاً ولا إنساناً. فإن زعموا أنّهما كانتا قبل التركيب كاملتين، والتركيب لم يخرجهما عن الكمال بل بقي المسيح [إلهاً كاملاً] ١ وهو بعينه إنسان كامل، فقد تحامقوا إذ زعموا أنّ القديم هو بعينه الحادث، وأنّ الزَّمني هو بنفسه الأزلي؛ وذلك بمثابة قول القائل: إن الحركة هي السكون وأنّ السواد هو البياض. وذلك هو الجنون.

الحجّة الثّانية: الجمع بين الجوهرين٢، [والأقنومين] في الجوهرية [والأقنومية] يوجب كون الطبعين طبعاً واحداً [والأقنومين] أقنوماً واحداً. فيسقط القول فيه بالدنايا إن كان المسيح إلهاً. أو يسقط القول بظهور الآيات إن كان المسيح إنساناً٣. فبطل القول بكونه طبعاً واحداً [وأقنوماُ] واحداً.


١ في ص، م: (إله كامل) وهو خطأ، والتصويب من المحقِّق.
٢ الجوهر: ما قام بنفسه. فهو متقوم بذاته ومتعين بماهيته. وهو المقولة الأولى من مقولات أرسطو، وبه تقوم الأعراض والكيفيات ويقابل العرض. (ر: المعجم الفلسفي ص ٦٤) .
٣ زيادة في الإيضاح نورد هذه الحجّة بصيغة أخرى، فنقول: إن اليعقوبية إذا قالوا: إن المسيح جوهر من جوهرين وأقنوم من أقنومين، لا يخلو أن يقولوا: إن أحدهما أبطل الآخر وأخرجه عما كان عليه عند الاتّحاد. أو كل واحد منهما بحاله لم يتغير ولم يبطل الآخر. فإن قالوا: إن كلّ واحد منهما لم يتغير عما كان عليه، فخرجوا عن قولهم إلى النسطورية في أنهما باقيان بحالهما بعد الاتّحاد. وظاهر أن ذلك ليس باتّحادٍ.
وإن قالوا: إن أحدهما قد غيَّر الآخر وأبطله كانوا قد أقروا ببطلان الإله، ولزمهم أن يكون المسيح لا قديماً ولا محدثاً، ولا إلهاً ولا غير إله. إذا كان كلّ واحد منهما قد خرج عما كان عليه إلى مشابهة الآخر. والعيان شاهد بأن ناسوت المسيح على ما كان عليه ناسوت غيره من الناس. فإن قالوا: اللاهوت أبطل الناسوت، كان العيان يبطل قولهم فإن ناسوت المسيح مثل ناسوت غيره في الجسمية واللحمية. وإن قالوا: الناسوت أبطل اللاهوت لزمهم أن يكون المحدث يبطل القديم. وهذا لا يجوز؛ إذ اللاهوت هو الذي يُؤثِّر في غيره. وغيره يمتنع أن يُؤثِّر فيه. (ر: تنقيح الأبحاث ص ٥٦ لابن كمونه اليهودي، النصيحة الإيمانية ص ١٤٤-١٤٦، نصر المتطبب) .

<<  <  ج: ص:  >  >>