ولما قال نسطور مقالته تلك كاتبه كيرلس بطريرك الإسكندرية ويوحنا بطريرك أنطاكية ليعدل عن رأيه ولكنه لم يستحب. فانعقد لذلك مجمع أفسس سنة ٤٣١م وتقرر فيه: وضع مقدمة قانون الإيمان، وأن مريم العذراء والدة الله، وأن للمسيح طبيعتان لاهوتية وناسوتية في أقنوم واحد، وتقرر أيضاً خلع نسطور من الكنيسة ولعنه ونفيه إلى مصر. ويذكر المؤرخ ابن البطريق في التاريخ ص ١٥٢؛ "أن مقالة نسطور قد اندثرت، فأحياها من بعده بزمان طويل برصوما (ت ٤٩٠م) مطران نصيبين في عهد قباذ بن فيروز ملك فارس، وثبتها في الشرق وخاصة أهل فارس. فلذلك كثرت النسطورية بالمشرق وخاصة أرض أهل فارس بالعراق والموصل ونصيبين والفرات والجزيرة".اهـ. وهذا يفسر لنا سبب انحراف النسطوريين عن مقالة نسطور الأصلية، فقد مالوا إلى القول بامتزاج اللاهوت (ابن الإله) في الناسوت، وبأن المسيح أقنومان وطبيعتان لهما مشيئة واحدة، وإليهم أشار القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ... } . [سورة التوبة، الآية: ٣٠، ٣١] . ولا تزال توجد منهم جماعات متفرقة في آسيا وخاصة في العراق وإيران والهند والصين، ومع أن الكنيسة الكاثوليكية أدخلتهم في خظيرتها إلاّ أنهم لا يزالون ينكرون عبادة مريم. (ر: قصة الحضارة ٢/١٠٠، ١٠١، مجموعة الشرع الكنسي ص ٢٨٨-٢٩٣، دائرة المعارف ٧/٢٦٩، قاموس أكفسورد ص ٩٦١، ٩٦٢، الملل والنحل ١/٢٢٤، ٢٢٥، للشهرستاني، الفصل ١/١١١، لابن حزم، محاضرات في النصرانية ص ١٥٧-١٥٩، لأبي زهرة) . وكان لأتباع النسطورية تأثير بالغ في ظهور الفرق المنتسبة إلى الإسلام، وخصوصاً الغلاة منها إلتي ظهرت في المشرق، قد تأثرت الشيعة بعقائدهم وخاصة حلول اللاهوت في الإمام أو أن الإمام له طبيعة إلهية. (الملل ٢/٥٣ للشهرستاني) . وكان لهم شأن خطير في ترجمة كتب اليونان وخاصة كتب الفلسفة التي أفسدت عقائد المسلمين وسرَّبت إليهم الأفكار المنحرفة التي تأثرت بها فرقة المعتزلة تأثراً كبيراً وخاصة في تحكيم العقل والقول بنفي القدر ونحوه.