للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

بعث الله نبيّه المسيح ابن مريم عليه السلام نسخ السبت وأباح الأعمال فيه١، وغيَّر كثيراً من الأحكام وآمن طوائف من اليهود بالمسيح عليه السلام وتركوا السبت فلم يُنسبوا بعد إلى عدوان ولم يمسخوا.


١ عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أضلّ الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد. فجاء الله بنا، فهدانا الله ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد. وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة. نحن الآخرون من أهل الدنيا والأوّلون يوم القيامة. المقضي لهم قبل الخلائق". أخرجه مسلم ٢/٥٨٦، والبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً بلفظ: "ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه، فهدانا الله، فالناس لنا فيه تبع: اليهود غدا، والنصارى بعد غد". (ر: فتح الباري ٢/٣٥٤) .
قال ابن بطال: "ليس المراد أن يوم الجمعة فرض عليهم بعينه فتركوه، لأنه لا يجوز لأحد أن يترك ما فرض الله عليه وهو مؤمن، وإنما يدل - والله أعلم - أنه فرض عليهم يوم من الجمعة وُكِّل إلى اختيارهم ليقيموا فيه شريعتهم، فاختلفوا في أيّ الأيام هو، ولم يهتدوا ليوم الجمعة". اهـ. ومال عياض إلى هذا ورجّحه.
وقال النووي: "يمكن أن يكونوا أمروا به صريحاً، فاختلفوا هل يلزم تعيّه أم يسوغ إبداله بيوم آخر؟ فاجتهدوا في ذلك فأخطأو". ويشهد له ما رواه الطبري بإسناد صحيح عن مجاهد في قوله تعالى: {إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه} . قال: "أرادوا الجمعة فأخطأوا وأخذوا السبت مكانه، ويحتمل أن يراد بالاختلاف اختلاف اليهود والصارى في ذلك" (ر: فتح الباري ٢/٣٥٥، شرج النووي لصحيح مسلم ٦/١٤٣، ١٤٤) .
وعلى هذا فإن المسيح عليه السلام لم يمر أتباعه بتقديس يوم الأحد بدلاً من السبت. (ر: هدية الحياري ص ٢٦٥) . لأنه كان متّبعاً شريعة موسى عليه السلام. وقد كانت رسالة عيسى عليه السلام كما قال عزوجل وحكاية عن عيسى: {وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلأحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ... } . [سورة آل عمران، الآية: ٥٠] . إنما ينسب إلى بولس استبدال السبت بالأحد عند النصارى فيما ورد من تعاليمه في رسالته الأولى إلى كورنثوس ١٦/١-٢، وهذا الاستبدال من الانحرافات التي أحدثها بولس في دين المسيح كما سبق بيانه. (ر: ص: ١٠٠) .
ومما يدلّ على تحريف النصارى واستبدالهم السبت بالأحد هو ما ذكرته أناجيلهم من أن المسيح كان يعظم السبت وبأنه كان يذهب إلى المجامع للصلاة في السبت. (ر: لوقا ٤/١٦) .
ويقول مؤلِّفو قاموس الكتاب المقدس ص ٤٥٤، ٤٥٥: "إن المسيحيين الأوّلين قد قدسوا يوم السبت، ولكن يوم الأحد حلَّ تدريجياً محل يوم السبت، فقد جعلت قيامة ربّنا (أي: قيامة المسيح من الموت) . قيمة خاصة ليوم الأحد. وفي قرار المجمع المسيحي الأوّل لم يفرض قادة الكنيسة الأولى حفظ يوم السبت اليهودي.... وقد كانت هناك جماعة من المسيحيين يعتقدون بأن عليهم أن يحفظوا يوم السبت لا يوم الأحد. وقد كان بعض المسيحيين الأوّلين يحفظون كلاً من السبت اليهودي ويوم الرّبّ المسيحي (الأحد) ، واستمر مدة أربعة قرون ثم انتهى أمره بعد أن منعه مجمع خلقدونية الكنسي في عام ٣٦٤م. ويخبرنا تاريخ الكنيسة أنها حفظت يوم الأحد بناء على أوامر الرسل، حيث يقول جستينوس: نجتمع سوية يوم الأحد، لأنه اليوم الأوّل الذي فيه غيَّر الله الظلمة إلى نور. والعدم إلى وجود، وفي هذا اليوم قام مخلصنا يسوع المسيح من الأموات. وشهد اثناسيوس الإسكندري: أن الله قد غيَّر يوم السبت إلى يوم الأحد". اهـ. بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>