للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

أفهذا دين نقلتموه عن الأنبياء وأخذتموه١ من شرائع الرسل؟ فأرونا ذلك في توراة موسى ونبوات أشعيا وأرميا ومزامير داود. وأَنَّى تجدون ذلك في هذه الكتب وهي مشحونة بالتوحيد كما قد بيّناه. وقد كان من حُكم الصليب لو كنتم أَلِبَّاء عقلاءً أن تمقتوه وتلعنوه وتميتوا ذكره وتخفوه فلا تعلنوه.

فإن قالوا: إنما عظمناه لأنه شَرُف بصعود المسيح عليه ونحن نقبله ونعظمه لذلك.

قلنا: فهلاّ تعظموا الحُمُر وتقبلوها وتسجدوا لها؛ لأن لوقا وغيره قد أخبر أن المسيح ركب حماراً عند دخوله المدينة والصبيان بين يديه ينادون: مبارك الآتي باسم الرّبّ٢. فكان ركوبه لحمار في حال تعظيمه وكرامته وركوبه الصليب في حال تصغيره وإهانته. فهلاّ تعظمون الحمير وتضمخونها بالعير وتقبلونها فإنها أفضل من الصليب بكثير. / (٢/٧٣/أ) فشتان بين مركوب بالرئاسة مخصوص، ومركوب قرنه باللصوص. فلو عقل النصارى لأسقطوا ذكر الصليب ورفضوه ومقتوا ذكره٣ وأبغضوه. فإن ذاكره يُعَرِّض بربّهم ويُنوِّه بثلبهم.

تابع الباب التّاسع: في إثبات الواضح المشهود من فضائح النّصارى واليهود

٦٧- فضيحة أخرى: النصارى مختلفون في السجود للصور. فمنهم من يؤثره ويهواه. ومنهم من كان يكرهه ويأباه. وأكثرهم على المذهب الأوّل بدليل أنّ كنائسهم لا تكاد [تخلو] ٤ من الصور. وهذا مما أحدثوه بعد المسيح وأصحابه٥ وهذه الأناجيل الأربعة في أيدينا ليس فيها شيء يدل على انتحال ذلك ألبتة. بل قد صرحت بالتوحيد من غير موضع كما قدمناه. وأيّ فرق بين السجود للصورة والسجود للوثن والصنم؟ ولو كان ذلك من الدين


١ في م: وأحدثتموه.
٢ متى ٢١/٩.
٣ في م: ومنعتوا ذاكره.
٤ في ص، م (تخلوا) والصواب ما أثبتّه.
٥ ورد النهي عن صنع التماثيل والتصاوير (وتسمى عندم بالأيقونات) والسجود لها صريحاً في التوراة سفر اللاويين ٢٦/١، كالآتي: "لا تصعنوا لكم أوثاناً ولا تقيموا لكم تمثالاً منحوتاً أو نًصَباً ولا تجعلوا

<<  <  ج: ص:  >  >>