يقول سبينوزا في رسالته ص: ٣١٦: "كتب دانيال سفره ابتداء من الأصحاح الثامن، أما الإصحاحات السبعة الأولى فمجهولة المؤلِّف" اهـ. ويؤكّد ذلك ما ورد في مقدمة التعريف بهذا السفر في الكتاب المقدس للكاثوليك ونصّه: "ليس دانيال مؤلِّف السفر الذي يحمل اسمه، إن هو إلاّ شخصه الرئيسي ... إن مؤلِّفاً ملهماً لم يترك اسمه قد ضم إلى هذه الصورة الشهيرة الماضي عدة رؤى ذات إنشاء روائي". اهـ. ٢ إن الأنبياء الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم يجب علينا الإيمان بهم تفصيلاً أي: بأشخاصهم وأسمائهم وهم: آدم ونوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وموسى وهارون وداود وسليمان وأيوب وإدريس ويونس وهود وشعيب وصالح ولوط وإلياس واليسع وذو الكفل وزكريا ويحيى وعيسى ومحمّد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. وكذلك يوشع بن نون الذي ثبت نبوته بالسنة النبوية الصحيحة كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وأما بقية الأنبياء فإنه يجب الإيمان بهم جملة كما قال تعالى: {وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ... } . [سورة النساء، الآية: ١٦٤] . وقال تعالى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ ... } . [سورة فاطر، الآية: ٢٤] . أما ما ورد عن بني إسرائيل وفي كتبهم المقدسة لديهم من أخبار بتسمية بعض الأشخاص بالأنبياء كأشعياء، وأرميا وصفنيا وهوشع وغيرهم، مما لم يقم على نبوتهم دليل من القرآن الكريم أو السنة الصحيحة فإننا لا نكذبه ولا نصدّقه؛ لأن خبرهم يحتمل الصدق والكذب لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم وقولوا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا ... } الآية. [سورة البقرة، الآية: ١٣٦] . (أخرجه البخاري فتح الباري ٨/١٧٠) . قال الحافظ ابن حجر: "أي: إذا كان ما يخبرونكم به محتملاً لئلا يكون في نفس الأمر صدقاً فتكذّبوه، أو كذباً فتصدّقوه فتقعوا في الحرج، ولم يرد النهي عن تكذيبهم فيما ورد شرعنا بخلافه، ولا عن تصديقهم فيما ورد شرعنا بوفاته، نبّه على الشافعي رحمه الله". اهـ. وأيضاً لوجود الاضطراب والانحراف في نظرة اليهود والنصارى نحو النبوة والأنبياء - وهو ناشئ من كتبهم المقدسة عندهم - فإن لفظ (النبي) في كتبهم الحرفة تطلق على النبيّ من الله. (ر: تكوين٢٠/٧، وغيرها كثير) . وعلى كهنة الهيكل وأحبارهم. أخبار الأيام الأول ٢٥/١، أرميا ٦/١٣، أشعيا ٩/١٤) ، وعلى الساحر والمنجم. (حزقيال ١٣/١٩) ، وعلى الأنبياء الكاذبة. (أرميا ٥/٣١) ، كما تطلق أيضاً على كهنة الآلهة الوثنية. (الملوك الأوّل ١٨/١٩، والثاني ٣/١٣-١٠) . وعلى نسائهم أيضاً. (الخروج ١٥/٢٠، القضاه ٤/٤، صموئيل ٢/١) . ويؤكّد هذا الاضطراب تصريح أريك ويليام هيتون - أستاذ دراسات العهد القديم بجامعة أوكسفود - في كتابه: (أنبياء العهد القديم ص ٣٥) ، إذ يقول: "إن أي محالة لتمييز الأنبياء الحقيقيّين بناء على التعريف النظري المجرد للنبوة، إنما هو عمل مقضي عليه بالفشل، ذلك أن تعريف النبوة كغيره من تعاريف بض الكلمات المذكورة في العهد القديم مثل عقيدة وكاهن - لن يقودنا على أحسن الفروض إلاّ إلى ربط النبوة بمظاهر خاريجة عرفها الناس في حياتهم العادية". اهـ. (نقلاً من النبوة والأنبياء في اليهودية والمسيحية ص ١٥، لأحمد عبد الوهّاب) . كما أنهم يتهمون بعض أنبيائهم بالشرك وارتكاب الكبائر من الذنوب كالزنى والسرقة والقتل بغير حقٍّ ونحوه، وهذا مما نجزم بكذبه ولا تجوز روايته إلاّ لبيان بطلانه وكذبه. وينفون النبوة عن بعض أنبيائهم كسليمان عليه السلام فهو في نظرهم مجرد ملك وليس بنبيٍّ. لذلك فإن موقفنا نحو ما ورد في كتبهم المقدسة المحرفة هو أن ما وافق منه شرعنا فنصدقه أو نقبله، وأما ما خالفه وظهر بطلانه فنرده ونرفضه، وأما ما سكت عنه شرعنا فلا نصدِّقه ولا نكذِّبه.