للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنت - رحمك الله - إذا شاهدت ما انطوت عليه كتب القوم من التكرار / (١/٦/أ) والتطويل واشتمال اللفظ الكثير على المعنى القليل وضرب الأمثال بالكلمات الركيكة السوقية عرفت سرّ قوله عليه السلام: "لقد جئتكم بها بيضاء نقية" إلى غير ذلك كما يوضحه الكشف.

فإن قيل: كيف استجزت النظر إلى هذه الكتب وصحبتها محظورة والأمّة بالنظر فيها غير مأمورة، وقد نهى الصحابي عنها وبحر منقوله عجاج وبنية معقولة مركبة من أعدل مزاج؟

قلنا: المحظور هو النظر فيها على وجه التعظيم والتفخيم وإجراؤها على ظواهرها الموهمة لاسيما للعامي الغر والحدث الغمر، فأما من نظر فيها على المقصد الذي قصدته والنحو الذي أردته وأوردته فهو إن شاء الله من أمهات القربات. فأما نهيه عليه السلام الصحابي عن ذلك فلأن الأمر كان في ابتدائه والشرك بعد لم يمت بدائه١، فلعل رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أن غير ذلك أولى بالصحابة في ذلك الوقت، ولأن الصحابة - رضوان الله عليهم - هم أعيان الأمّة فلو أكبوا على تلك الكتب المبدلة والصحف المحرفة لا شكّ / (١/٦/ب) أن يتابعهم الناس في ذلك وقد قال عليه السلام لأصحابه: "إنكم أئمة يقتدى بكم"٢.


١ قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ٦/٤٩٨ في شرحه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "بلغوا عني ولو آية وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حجر ... " "أي: لا ضيق عليكم في الحديث عنهم؛ لأنه كان تقدم منه صلى الله عليه وسلم الزجر عن الأخذ عنهم، والنظر في كتبهم ثم حصل التوسع في ذلك وكأن النهي وقع قبل استقرار الأحكام الإسلامية والقواعد الدينية خشية الفتنة، ثم لما زال المحذور وقع الإذن في ذلك لما في سماع الأخبار التي كانت في زمانهم من الاعتبار".
٢ أخرجه الإمام أحمد ١/٣٤٦ قال: "ثنا يحيى عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس - موقوفاً -: دعا أخاه عبيد الله يوم عرفة إلى طعام قال: إني صائم، قال: إنكم أئمة يقتدى بكم قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بحلاب في هذا اليوم فشرب. قال الشيخ أحمد شاكر: "إسناده صحيح". (ح ٣٢٣٩) .
قلت: وله شاهد من حديث عمر بن الخطاب إلاّ أنّه موقوف أيضاً. أخرجه الإمام مالك في الموطّأ ص ٢٣٦ عن نافع أنه سمع أسلم مولى عمر بن الخطاب رأى على طلحة بن عبيد الله ثوباً مصبوغاً وهو مجرم، فقال عمر: ما هذا الثوب المصبوغ يا طلحة؟ فقال طلحة: يا أمير المؤمنين إنما هو مدر، فقال عمر: إنكم أيها الرهط أئمة يقتدي بكم الناس، فلو أنّ رجلاً رأى هذا الثوب لقال: إنّ طلحة بن عبيد الله كان يلبس الثياب المصبغة في الإحرام، فلا تلبسوا أيها الرهط شيئاً من هذه الثياب المصبغة.

<<  <  ج: ص:  >  >>