وحنان بل ربما كانت طفولته طفولة معذبة، منعه الحياء من الخوض فيها باللسان، أو بالقلم، فاكتفى بالصمت الذي هو أبلغ من كل بيان.
ورب ضارة نافعة، فالراجح أن هذا الحرمان كان السبب في التجاء الشيخ إلى الدرس، والتحصيل عله يجد في ذلك عوضًا عن بعض ما فاته.
ومهما يك من شيء فلا تكاد توجد وثيقة واحدة، أو مصدر مؤكد أو خبر عمن يوثق به يكشف شيئًا للباحث في طفولة هذا الرجل، أو علاقته بأسرته، أو صلاته بأخواته وإخواته -إن كان له إخوة أو أخوات- فجهل الناس كل ما يتصل بهؤلاء.
وليس من الحق الزعم بأن المصنف أمسك عن الحديث عن سيرة أحداده، وآبائه وإخوته وإخوانه، وأصداقاء طفولته وصباه، وعيشته في موطنه؛ لأنه ضرب من العبث واللغو لا يتفق مع ما شغل به من تحصيل للعلم، وخدمة لأهله.
فالرابطة الإنسانية رابطة عميقة الجذور، تجري في الدماء، وتتغلغل في النفوس، وهو أقرب الروابط إلى الإنسان, وأحبها إليه، وأعلقها بفؤاده.
وإذا كان ذلك كذلك فلا يمنع الإنسان عن الخوض فيها إلا أمر قاهر، ولن يكون العلم؛ لأن العلم أسمى من ذلك. فهو الذي يهذب النفوس، ويرهف العواطف فأولى به أن يقوي في الإنسان الشعور بالإنسانية، لا أن يجرده منها.
والذي يرجحه الباحث أن يكون ابن مالك نشأ وحيدًا لوالديه، وأن يكون افتقد أمه صغيرًا، وربما كان شأن أبيه شأن غيره من العرب