شغل الناس في القرنين السادس والسابع من الهجرة النبوية بأحداث خطيرة في الداخل والخارج.
فقد رأوا دولًا تسقط، وتنهض في إثرها دول أخرى، وملكًا يزول من قوم ليحل في أناس آخرين، ووطنًا يفترق بنوه ثم يتحدون، وعقائد تسيطر حينًا من الدهر، ثم ينهار سلطانها أمام عقائد تأخذ مكانها.
والحكام عرضة لكيد أمراء الدول، وبطش رؤساء الجند، وانتقام نساء القصر كما كان الأمراء عرضة لنقمة هؤلاء، إن هم أنسوا في نفوسهم القدرة على ذلك مع ضمان شيء من الأمن والطمأنينية على حياتهم، حتى أصبحت حياة الجميع مكرًا في مكر.
لذلك انصرف من أراد السلامة من المواطنين إلى تدبير معاشهم بعد انهيار الحالة الاقتصادية، كما تكاتفوا في مواجهة الأعداء المحدقين بالبلاد من كل صوب.
وكان لذلك تأثيره في همة الناس ففترت عن الإقبال على مجالس العلم كما ينبغي أن يكون، ومن أقبل على طلب العلم لم يكن لديه متسع من الوقت لينظر في المطولات؛ لأنها تحتاج إلى وقت طويل ليخرج منها الباحث بشيء ذي غناء.