وهذا أحد الوجهين لأصحاب الشّافعي، والوجه الآخر يملك؛ لأنّه نماء الملك، وقد روي عن أحمد نحو ذلك. فإنّه قيل له في رجلٍ له أرض ولآخر ماء يشترك صاحب الماء وصاحب الأرض وصاحب الزّرع يكون بينهما. فقال: لا بأس. اختاره أبو بكر. وهذا يدلّ من قوله على أنّ الماء مملوك أصحابه، وجواز بيع ذلك مبنِيّ على ملكه. قال أحمد: لا يعجبنِي بيع الماء البتة. وقال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يُسأل عن قومٍ بينهم نهر تشرب منه أرضوهم لهذا يوم، ولهذا يومان، فيتّفقون عليه بالحصص فجاء يومي ولا أحتاج إليه أكريه بدارهم؟ قال: ما أدري. أمّا النَّبِيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فنهى عن بيع الماء. قيل له: إنّه ليس بيعه إنّما يكريه. قال: إنّما احتالوا بهذا ليحسنوه فأي شيءٍ هذا إلاّ البيع؟!
وروى الأثر بإسناده عن جابر أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ نهى عن بيع الماء. وروى أبو عبيد والأثرم أنّ النَّبِيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قال:"المسلمون شركاء في ثلاثة: الكلأ والنّار والماء".
فإن قلنا: يملك جاز بيعه، وإن قلنا: لا يملك فصاحب الأرض أحقّ به من غيره لكونه في ملكه. والخلاف في بيع ذلك إنّما هو قبل حيازته.
فأمّا ما يحوزه من الماء في إنائه أو يأخذه من الكلأ في حبله، أو يحوزه في رحله أو يأخذه من المعادن، فإنّه يملكه بذلك بغير خلافٍ بين أهل العلم. وليس لأحد أن يشرب منه ولا يأخذ ولا يتوضّا إلاّ بإذن مالكه؛ لأنّه ملكه. قال أحمد: إنّما نهي عن بيع فضل ماء البئر والعيون في قراره. ويجوز بيع البئر نفسها والعين ومشتريها أحقّ بمائها. ثم ذكر حديث بئر رومة. وقال: بعد ذكره: وفي هذا دليل على صحّة بيعها وتسبيلها وملك ما يستقيه منها، وجواز قسمة مائها بالمهايأة، وكون مالكها أحقّ بمائها وجواز قسمة ما فيه حقّ وليس مملوك.