فما الظن بالعكوف حول القبر ودعائه والدعاء عنده، أو الدعاء به وأي شبه للفتنة بالشجرة إلى الفتنة بالقبر لو كان أهل الشرك والبدع يعلمون، ومن له خبرة بما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم وبما عليه أهل الشرك والبدع اليوم في هذا الباب وغيره علم أن بين السلف وبينهم أبعد مما بين المشرق والمغرب والأمر والله أعظم مما ذكرنا وبالله التوفيق.
التوسل وسؤال الله بالمخلوق دون سؤال المخلوق
(النوع الثاني) : من الأمور المبتدعة عند القبور أن يسأل الله تعالى به؛ وهذا يفعله كثير من المتأخرين، وهو من البدع المحدثة في الإسلام، ولكن بعض العلماء يرخص فيه وبعضهم ينهى عنه ويكرهه. وليس هذا مثل النوع الذي قبله، فإنه لا يصل إلى الشرك الأكبر عند من كرهه ولا يسمى هذا استغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما هو سؤال به.
والفرق بينه وبين الذي قبله فرق عظيم، أبعد مما بين المشرق والمغرب؛ والسائل -سامحه الله تعالى- لم يفرق بين هذا وهذا، وجعل هذين النوعين نوعا واحدا. وهذا جهل عظيم بدين الإسلام الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم وبما درج عليه السلف الصالح من الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، ومن سلك سبيلهم. والعامة الذين يتوسلون في أدعيتهم بالأنبياء والصالحين، كقول أحدهم: أتوسل إليك بنبيك، أو بأنبيائك، أو بملائكتك، أو بالصالحين من عبادك، أو بحق الشيخ فلان، أو بحرمته، أو أتوسل إليك باللوح والقلم، أو بالكعبة، وغير ذلك مما يقولونه في أدعيتهم، يعلمون أنهم لا يستغيثون بهذه الأمور، ولا يسألونها، وينادونها؛ فإن المستغيث بالشيء طالب منه، سائل له، والمتوسل به لا يدعو ولا يطلب منه ولا يسأل، وإنما يطلب به. وكل أحد يفرق بين المدعو به وبين المدعو والمستغاث، والاستغاثة هي طلب الغوث، وهو إزالة الشدة كالاستنصار طلب النصر.