للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والاستغاثة طلب العون؛ والمخلوق إنما يطلب منه من هذه الأمور ما يقدر عليه منها، كما قال تعالى: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} [الأنفال من الآية:] ، وكما قال تعالى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص من الآية: ٥] وأما ما لا يقدر عليه إلا الله فلا يطلب إلا من الله، كما قال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النّمل من الآية: ٦٢] .

حتى إن المشركين عبدة الأوثان يخلصون الدعاء لله، والاستغاثة في الشدة، وينسون ما يشركون، لعلمهم أنه لا يقدر على تفريج الكربات، وقضاء الحاجات، وإغاثة اللهفات إلا رب الأرض والسموات، كما قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ} [الإسراء من الآية: ٦٧] .

وقال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:٦٥] .

وقال تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} الآية [لقمان من الآية: ٣٢] .

وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الأِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} [الزّمر: ٨] .ولا يعرف في لغة أحد من بني آدم أن من قال: أتوسل إليك برسولك، أو أتوجه إليك برسولك، فقد استغاث به حقيقة؛ فإنهم يعلمون أن المستغاث به مسؤول مدعو، فيفرقون بين المسؤول، وبين المسؤول به، سواء استغاث بالخالق أو بالمخلوق؛ فإنه يجوز أن يستغاث بالمخلوق فيما يقدر عليه والنبي صلى الله عليه وسلم أفضل مخلوق يستغاث به في مثل ذلك.

فلو قال قائل فيمن يستغيث به: أسألك بفلان، أو بحق فلان، لم يقل أحد إنه استغاث بمن توسل به، بل إنما استغاث بمن دعاه وسأله؛ ولهذا قال المصنفون في شرح أسماء الله الحسنى أن المغيث بمعنى المجيب، لكن

<<  <   >  >>