للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإغاثة أخص بالأفعال، والإجابة أخص بالأقوال.

التوسل إلى الله في الدعاء بغير نبينا صلى الله عليه وسلم

والتوسل إلى الله في الدعاء بغير نبينا صلى الله عليه وسلم لا نعلم أحدا من السلف فعله، ولا روي فيه أثر؛ وقد قال أبو الحسين القدوري الحنفي في شرح الكرخي: قال بشر بن الوليد: سمعت أبا يوسف قال: قال أبو حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، وأكره أن يقول: بمعاقد العز من عرشك، أو بحق خلقك؛ وهو قول أبي يوسف. قال أبو يوسف: بمعقد العز من عرشك هو الله، فلا أكره هذا؛ وأكره بحق فلان، أو بحق أنبيائك ورسلك، وبحق البيت والمشعر الحرام، بهذا الحق يكره، قالوا جميعا. انتهى.

وكذلك قال الشيخ أبو محمد بن عبد السلام الفقيه الشافعي في فتاويه المشهورة عنه: أنه لا يجوز التوسل إلى الله تعالى بخلقه، إلا بالنبي صلى الله عليه وسلم إن صح الحديث فيه، يعني حديث الأعمى الذي رواه الترمذي وغيره.

والمسألة بخلقه لا تجوز، لأنه لا حق للخلق على الخالق؛ فلا يجوز أن يسأل ما ليس بمستحق، ولكن معقد العز من عرشك هل هو سؤال بمخلوق، أو بالخالق فيه نزاع بينهم؛ فلذلك تنازعوا فيه. وأبو يوسف بلغه الأثر فيه: أسألك بمعقد العز من عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك، وباسمك الأعظم، وجدك الأعلى وكلماتك التامة؛ فجوزه لذلك، والله أعلم.

(وأما الجواب) عن الحديثين المذكورين، فمن وجوه:

(أحدها) : أن يقال: قد أجاب عنهما غير واحد من العلماء، على تقدير صحتهما، بأن المعنى بحق السائلين عليك أي: الحق الذي أوجبه الله تعالى على نفسه للسائلين وهو الإجابة؛ ولا ريب أن الله تعالى جعل على نفسه حقا لعباده المؤمنين كما قال تعالى: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الرّوم من الآية: ٤٧] ، وكما قال تعالى: {كَتَبَ

<<  <   >  >>