للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام من الآية: ٥٤] ، وفي حديث معاذ في الصحيحين: "أتدري ما حق العباد على الله قلت: الله ورسوله أعلم"١ الحديث: فهذا حق وجب بكلماته التامة ووعده الصادق؛ وقد اتفق العلماء على وجوب ما يجب بوعده الصادق، وتنازعوا هل يوجب بنفسه على نفسه ومن جوز ذلك احتج بقوله: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام من الآية: ٥٤] ، وبقوله في الحديث "إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما "٢.

وأما الإيجاب عليه والتحريم بالقياس على خلقه، فهو قول القدرية والمعتزلة؛ وهو قول مبتدع مخالف لصحيح المنقول وصريح المعقول؛ ولهذا كان من قال من أهل السنة بالوجوب قال: إنه: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام من الآية: ٥٤] ، وحرم على نفسه، لا أن العبد نفسه مستحق على الله شيئا كما يكون للمخلوق على المخلوق؛ فإن الله هو المنعم على العباد بكل خير، فهو الخالق لهم وهو المرسل، إليهم الرسل وهو الميسر لهم الإيمان والعمل. وإذا كان كذلك فالحق الذي لعباده هو من فضله وامتنانه، وإذا سئل بما جعله هو سببا للمطلوب من الأعمال الصالحة التي وعد أصحابها كرامته وإجابته لدعائهم، فهو سؤال وتسبب بما جعله الله سببا.

(الوجه الثاني) : أن يقال: أن الله إذا سئل بشيء ليس سببا للمطلوب، فإما أن يكون إقساما عليه به فلا يقسم على الله بمخلوق، وإما أن يكون سؤالا بما لا يقتضي المطلوب فيكون عديم الفائدة.

فالأنبياء والمؤمنون لهم حق على الله بوعده الصادق لهم وكلماته التامة هذا حق وليس فيه محذور، وأما إذا سئل بنفس ذوات الأنبياء والصالحين لم يكن في ذلك سبب يقتضي المطلوب.


١ البخاري: الجهاد والسير (٢٨٥٦) , ومسلم: الإيمان (٣٠) , والترمذي: الإيمان (٢٦٤٣) , وابن ماجه: الزهد (٤٢٩٦) , وأحمد (٣/٢٦٠ ,٥/٢٢٨ ,٥/٢٢٩ ,٥/٢٣٠ ,٥/٢٣٤ ,٥/٢٣٦ ,٥/٢٣٨ ,٥/٢٤٢) .
٢ مسلم: البر والصلة والآداب (٢٥٧٧) , وأحمد (٥/١٦٠) .

<<  <   >  >>