للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد أصبت في بصري فادع الله لي. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "توضأ وصل ركعتين، ثم قل: اللهم إني أتوجه إليك بنبيي محمد نبي الرحمة. أني أتشفع به إليك في رد بصري. اللهم شفع نبيي في. ففعل ذلك فرد الله عليه بصره، وقال له: إذا كانت لك حاجة فمثل ذلك فافعل".انتهى. ولفظ التوسل بالشخص والتوجه به والسؤال به فيه إجمال واشتراط، غلط بسببه من لم يفهم مقصود الصحابة، فيراد به التسبب به لكونه داعيا وشائعا مثلا، أو لكون الداعي مجيبا له مطيعا لأمره مقتديا به، ويراد به الإقسام به والتوسل بذاته؛ فهذا الثاني هو الذي كرهه العلماء ونهوا عنه.

المستحب والممنوع عند قبره صلى الله عليه وسلم

(النوع الثالث) من الأنواع المبتدعة عند القبور: أن يظن أن الدعاء عندها مستجاب، أو أنه أفضل من الدعاء في المسجد؛ فيقصد القبر لذلك، فإن هذا من المنكرات إجماعا، ولم نعلم في ذلك نزاعا بين أئمة الدين. وإن كان كثير من المتأخرين يفعله، فإن هذا أمر لم يشرعه الله ولا رسوله، ولا فعله أحد من الصحابة، ولا التابعين، ولا أئمة المسلمين، ولا ذكره أحد من العلماء ولا الصالحين المتقدمين؛ بل أكثر ما ينقل ذلك عن بعض المتأخرين بعد المائة الثانية. وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجدبوا مرات ودهمتهم نوائب، ولم يجيئوا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا استغاثوا به؛ بل خرج عمر بالعباس فاستسقى به، ولم يستسق عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم. وقد كان من قبور أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمصار عدد كثير، وعندهم التابعون، ومن بعدهم من الأئمة، فما استغاثوا عند قبر صاحب قط، ولا توسلوا به، ولا استسقوا عنده واستنصروا عنده ولا به.

ومعلوم أن مثل هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله لو وقع، بل على ما هو دونه، ومن تأمل كتب الآثار، وعرف حال السلف، علم قطعا أن القوم ما كانوا

<<  <   >  >>