بدعائه وشفاعته في الاستسقاء، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، معناه: نتوسل بدعائه وشفاعته، ونحن نتوسل إليك بدعاء عمه وشفاعته، ليس المراد أنا نقسم عليك به وما يجري هذا المجرى مما يفعل بعد موته وفي مغيبه، كما يقوله بعض الناس: أسألك بجاه فلان عبدك، ويقولون إنا نتوسل إلى الله بأنبيائه. ولو كان هذا هو التوسل الذي يفعله الصحابة، لفعلوا ذلك بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعدلوا عنه إلى العباس مع علمهم أن السؤال به والإقسام به أعظم من العباس؛ فعلم أن ذلك التوسل الذي في حديث عمر والذي في حديث الأعمى هو مما يفعل بالأحياء دون الأموات، وهو التوسل بدعائهم وشفاعتهم. فالأعمى طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له أن يرد الله عليه بصره، فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم دعاء وأمره أن يسأل الله قبول شفاعة نبيه فيه.
فقوله في الحديث:"أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة"١ أي بدعائه وشفاعته، فلفظ التوجه والتوسل في الحديثين بمعنى واحد. وقوله: يا محمد يا رسول الله، إني أتوجه بك إلى ربي، أجاب عنه العلماء بأن هذا وأمثاله نداء يطلب به استحضار المنادى في القلب، فيخاطب المشهود بالقلب كما نقول في صلاتنا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ليس سؤاله والاستغاثة به.
(الوجه الخامس) : أن يقال: هذا الحديث رواه النسائي في اليوم والليلة، والإمامان البيهقي وابن شاهين في دلائلهما، كلهم من حديث عثمان بن حنيف، ولم يذكروا فيه هذه الكلمة أعني قوله: يا محمد يا نبي الله، ولفظ الحديث عندهم عن عثمان بن حنيف أن رجلا أعمى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله
١ الترمذي: الدعوات (٣٥٧٨) , وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (١٣٨٥) .