كل منهما مستلزما للآخر لكن العبد قد تنْزل به النازلة فيكون مقصوده طلب حاجاته وتفريج كرباته، فيسعى في ذلك بالسؤال والتضرع، وإن كان ذلك من العبادة والطاعة.
(الوجه الرابع) : أن يقال: قد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لأمته أن يدعوا أحدا من الأموات، لا الأنبياء، ولا الصالحين، ولا غيرهم، لا بلفظ الاستغاثة، ولا بغيرها.
كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميت ولا إلى ميت؛ بل نعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور وأنه من الشرك الذي حرم الله قال الله تعالى:{فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ}[الشّعراء: ٢١٣] .
وقال تعالى:{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ}[الأحقاف الآيتان: ٥-٦] وقال تعالى: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}[فاطر: ١٤] .وقال تعالى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً}[الجن: ١٨] .ومن تأمل أدلة الكتاب والسنة علم علما ضروريا أن الميت لا يطلب منه شيء، لا دعاء ولا غيره.
وأما حديث الأعمى فليس فيه -بحمد الله- إشكال؛ فإنه إنما توجه بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم وشفاعته في حياته، فإن في الحديث أنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له "فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يعافيني. فقال: إن شئت صبرت فهو خير لك، وإن شئت دعوت. فقال: فادعه. وقال في آخره: اللهم فشفعه في"١ فعلم أنه شفع له فتوسل بشفاعته لا بذاته، كما كان الصحابة يتوسلون
١ الترمذي: الدعوات (٣٥٧٨) , وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (١٣٨٥) .