أولاً: أن أصحاب هذه المقالة كانوا أول من عارض الوحي بالرأي ومعلوم أن عصر الصحابة وكبار التابعين لم يكن فيه من يعارض النصوص بالعقليات، فإن الخوارج والشيعة حدثوا في آخر خلافة علي رضي الله عنه، والمرجئة والقدرية حدثوا في أواخر عصر الصحابة، وهؤلاء كانوا ينتحلون النصوص ويستدلون بها على قولهم، ولا يدَّعون أنهم عندهم عقليات تعارض النصوص.١
قال ابن القيم رحمه الله: (مضى الرعيل الأول في ضوء ذلك النور [أي نور الوحي] ، لم تطفئه عواصف الأهواء، ولم تلتبس به ظلم الآراء، وأوصوا من بعدهم أن لا يفارقوا النور الذي اقتبسوه منهم، وأن لا يخرجوا عن طريقهم، فلما كان في أواخر عصرهم حدثت الشيعة، والخوارج، والقدرية، والمرجئة، فبعدوا عن النور الذي كان عليه أوائل الأئمة، ومع هذا لم يفارقوه بالكلية، بل كانوا للنصوص معظمين، وبها مستدلين، ولها على العقول والآراء مقدمين، ولم يدَّع أحد منهم أن عنده عقليات تعارض النصوص، وإنما أتوا من سوء الفهم فيها والاستبداد بما ظهر لهم منها، دون من قبلهم، ورأوا أنهم إن اقتفوا أثرهم كانوا مقلدين لهم.
فصاح بهم من أدركهم من الصحابة وكبار التابعين من كل قطر، ورموهم بالعظائم، وتبرؤا منهم، وحذروا من سبيلهم أشد التحذير وكانوا لا يرون السلام عليهم ولا مجالستهم، وكلامهم فيهم معروف في كتب السنة، وهو أكثر من أن يذكر هاهنا.