المغرب، ثم أخذوا يطوون البلاد حتى وصلوا إلى بلاد مصر فملكوها وبنوا بها القاهرة، وأقاموا على هذه الدعوة مصرحين بها غير متحاشين منها، هم وولاتهم وقضاتهم وأتباعهم، وفي زمنهم صنفت رسائل إخوان الصفا، والإشارات، والشفا، وكتب ابن سينا،١ فإنه قال: كان أبي من أهل الدعوة الحاكمية.
وعطلت في زمانهم السنة وكتبها والآثار جملة إلا في الخفية بحيث يكون قارئها وذاكرها وكاتبها على أعظم خطر، وشعار هذه الدعوة العبيدية تقديم العقل على الوحي، واستولوا على بلاد المغرب، ومصر، والشام، والحجاز، واستولوا على العراق سنة، وأهل السنة فيهم كأهل الذمة بين المسلمين، بل كان لأهل الذمة من الأمان والجاه والعز عندهم ما لم يصل إليه أحد من أهل السنة ولا يطمع فيه، فكم أغمدت سيوفهم في أعناق العلماء، وكم مات في سجونهم من ورثة الأنبياء، وكم ماتت بهم سنة وقامت بهم بدعة وضلالة. حتى استنقذ الله الأمة من أيديهم في أيام نور الدين محمود بن زنكي (ت٥٦٩هـ) وابن أخيه صلاح الدين الأيوبي (ت٥٨٩هـ) فأبل وبرأ الإسلام من علته بعد ما وطن المسلمون أنفسهم على العراء، وانتعش بعد طول الخمول، حتى استبشر أهل
١- هو أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا، ولد سنة ٣٧٠هـ وتوفي سنة ٤٢٨هـ، وكان ابن سينا كما أخبر عن نفسه فقال: أنا وأبي من أهل دعوة الحاكم، فكان من القرامطة الباطنية الذين لا يؤمنون بمبدأ ولا معاد، ولا رب خالق، ولا رسول مبعوث جاء من عند الله تعالى وقد رام ابن سينا بجهده تقريب رأي الفلاسفة الملاحدة من قول أهل الملل، فإنه قرب مذهب سلفه الملاحدة من دين الإسلام بجهده، وغاية ما أمكنه أن قربه من أقوال الجهمية الغالين في التجهم. انظر إغاثة اللهفان ٢/٢٦١، ٢٦٦.