للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحجة هي أمر من وجب الإذعان لطاعته، وإنما يُعرف ذلك الأمرُ بالعقل، ويتوجَّه على من رزق العقل دون من حُرِمه.

فلما استقر في العقل وجود الباري سبحانه وتعالى وكونه آمراً مفترض الطاعة، وثبت فيه وجوب القبول من الرسول صلى الله عليه وسلم بعد قيام الأدلة بصدقه ونبوته وامتناع الكذب عليه، لم يبق للعقل أكثر من تأمل الأوامر والمصير إليها، فالشرع حاكم على العقل والعقل ليس بحاكم عليه، والعقل أيضاً كالمرآة التي جعلت لرؤية الأشياء في مقابلتها إذا كانت غير صدية، وقيل: العقل كالسراج والشرع كالزيت الذي يمدّه، وقيل: الشرع عقل من خارج، والعقل شرع من داخل، وهما يتعاضدان ولكون الشرع عقلاً من خارج سلب الله تعالى اسم العقل من الكافر في غير موضع من القرآن فقال تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ] ٩٩/أ [لا يَعْقِلُونَ} ١، ولكون العقل شرعاً من داخل قال في صفة العقل: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} ٢، ولكونهما متحدين قال: {نُورٌ عَلَى نُورٍ} ٣ أي نور العقل ونور الشرع ثم قال: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} ٤ فجعلهما نوراً واحداً.


١ سورة البقرة /١٧١.
٢ سورة الروم /٣٠.
٣ سورة النور /٣٥.
٤ سورة النور/٣٥، قوله تعالى: {نُورٌ عَلَى نُورٍ} ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيره قال: يعني بذلك إيمان العبد وعمله، وقال السدي: نور القرآن ونور الإيمان حين اجتمعا فلا يكون واحد منهما إلا بصاحبه، وقوله تعالى: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} أي يرشد الله إلى هدايته من يختاره. (ر: تفسير الطبري ١٨/١٤٣، تفسير ابن كثير٣/٣٠٢، وفتح القدير ٤/٣٤) .

<<  <   >  >>