للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

عداه لعدم الحاجة إليه، فصار بعد كونه من أهمِّ المعارف مهجوراً، وتمادَت الأيام على سَنَنٍ من الصلاح إلى أن انقرض عصر الصحابة -رضوان الله عليهم.

وجاء التابعون لهم بإحسان فسلكوا سبيلهم، ولكنهم قَلُّوا في الإتقان، فما انقضى زمانُهم إلا واللسان العربي قد كاد يستحيل أعجمياً، فلا ترى المحافِظَ عليه إلا الآحاد، فلما أعضل الداءُ وعزَّ الدواءُ أَلْهم اللهُ عزَّ وجلَّ جماعةً من ذوي البصائر؛ أن صرفوا إلى هذا الشأن طرفاً من عنايتهم؛ حراسةً لهذا العلم الشريف من الضياع.

ثم يتحدَّث المؤلف (١) عمن يراه أوَّلَ من جمع في هذا الفن من غريب الحديث والأثر، وكان يرى أنه أبو عبيدة مَعْمَر بن المثنى، إذ جمع من ألفاظ غريب الحديث والأثر كتاباً صغيراً ذا أوراق معدودات. ويبيّن ابن الأثير أنَّ قلة صفحات الكتاب لم تكن لجهله بغيره من غريب الحديث، وإنما سبب ذلك أنَّ كلَّ مبتدئ لشيء يكون قليلاً، ثم يكثر، ثم إنَّ الناس يومئذٍ كان فيهم بقيةٌ من معرفة.

ويتابع ابن الأثير الحديث عن أوائل حركة التصنيف، فيشير إلى أنَّ النَّضْر ابن شُميل وضع كتاباَ بعد ذلك أكبر من كتاب أبي عبيدة، ثم يأتي كتاب الأصمعي عبد الملك بن قريب، ويصف كتابه بأنه "أحسن فيه الصنع وأجاد". ثم يأتي كتاب قطرب.

ويلحظ ابن الأثير أنَّ حركة التأليف في هذا العلم ما تزال تحبو: "ولم يكن


(١) النهاية: ١ / ٥.

<<  <   >  >>