١- ذهب جمهور العلماء، من الحنفية، والحنابلة، وهو وجه للشافعية إلى: أن الاضطباع لا يُستحب، ولا يُشرع في السعي، وإنما يُقتصر فيه على الطواف. وحجتهم في ذلك: أنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اضطبع في السعي. فدلّ ذلك على عدم مشروعيته فيه. إذ السنة في الاقتداء به صلى الله عليه وسلم. قال أحمد: “ما سمعت فيه شيئاً”. وأن الاضطباع تَعَبُّد محض، لا يُعقل معناه، فلا يصح فيه القياس. ٢- وذهب الشافعية في الأصح إلى: أنه يُستحب الاضطباع في السعي، كما يُستحب ذلك في الطواف. وحجتهم في ذلك: حديث يعلى بن أمية رضي الله عنهم قال:» رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مضطبعاً بين الصفا والمروة بِبُرد نجراني «أخرجه أحمد ٤/٢٢٣. وقالوا: يُضطبع في السعي لأنه أحد الطوافين، فأشبه الطواف بالبيت. والمسألة متوقفة على صحة حديث يعلى. وبالنظر في تخريجه تبيّن ضعف هذه الرواية، وعدم صحتها. إذ أخرجها أحمد من طريق عمر بن هارون، عن الثوري. وقد روى هذا الحديث عن الثوري آخرون، لم يذكروا:» بين الصفا والمروة «. منهم قبيصة، ومحمد ابن كثير، ووكيع وغيرهم. كلهم كما قال الترمذي من طريق الثوري عن ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير، عن ابن يعلى، عن أبيه. “وقد تقدّم تخريج حديث يعلى، في أدلة المشروعية”. وبهذا يتبين مخالفة عمر بن هارون لغيره. ومثل هذه المخالفة لا تُقبل من الثقة. فكيف تُقبل منه. وقد وصفه ابن حجر في التقريب ص ٧٢٨: بأنه متروك. فما ذهب إليه أصحاب القول الأول، من عدم مشروعية الاضطباع في السعي، هو الراجح. والله أعلم. “تتمة” على هذا القول اختلف الشافعية، هل يكون الاضطباع في جميع مسافة السعي بين الصفا والمروة، ومن أول السعي إلى آخره، أو إنما يضطبع في موضع سعيه، دون موضع مشيه؟ وجهان. وصف النووي الثاني منهما: بالشذوذ. انظر: حاشية ابن عابدين ٢/٤٩٥، المغني ٥/٢١٧، الشرح الكبير ٩/٨١، شرح العمدة ٣/٤٢٣، كشاف القناع ٢/٥٥٦، روضة الطالبين ٣/٨٨، إعانة الطالبين ٢/٣٠٠، فتح الوهاب ١/٢٤٦، القرى ص ٣٠٤. ووصف النووي في المجموع ٨/٢٠ القول الموافق للجمهور بالشذوذ. فقال: “وفيه وجه شاذ، إنه لا يُسن فيه. ممن حكاه: الرافعي”. وقال عن القول الآخر: “هذا هو المذهب، وبه قطع الجمهور”.