للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله هذه الآية: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا} (المائدة: ٢) قال ابن عباس، وقتادة: " {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ}: لا يحملنكم"، وقال أهل اللغة: "يقال: جرمني زيد على بغضك أي: حملني عليه"، والشنآن: البغض عن ابن عباس، وقتادة قالا: {شَنَآنُ قَوْمٍ} عداوة قوم، والمعنى: لا يجرمنكم بغض قوم، وعداوتهم واعتداؤهم عليكم حيث صدوكم عن المسجد الحرام على الاعتداء عليهم طلبًا للتشفي منهم؛ فإن العبد عليه أن يلتزم أمر الله، ويسلك طريق العدل، ولو جني عليه أو ظلم، واعتدي عليه؛ فلا يحل له أن يكذب على من كذب عليه أو يخون من خانه".

وقد أمر الله -سبحانه وتعالى- أن نحكم بالعدل بين الناس جميعًا فقال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} (النساء: ٥٨)، {وإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ} هكذا على الإطلاق بين الناس على اختلاف مللهم، وألوانهم، وأجناسهم، وأديانهم {أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} فلا تميلوا إلى غني لغناه، ولا على فقير لفقره كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ ولَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أو الْوَالِدَيْنِ والْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أو فَقِيرًا فَاللَّهُ أولَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وإِنْ تَلْوُوا أو تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (النساء: ١٣٥).

وقال سبحانه لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ واسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ولَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} (الشورى: ١٥)، وأمرت لأعدل بينكم، وإن كذبتموني، وكفرتم بي فالعدل الذي يسعى الإسلام لإقامته ليس عدلًا بين المسلمين بعضهم، وبعض فحسب، ولا عدلًا مع أهل الكتاب دون سائر الناس، وإنما هو حق لكل إنسان بوصفه إنسانًا هذه الصفة صفة الناس هي التي يترتب عليها حق العدل في المنهج الرباني، وهذه الصفة

<<  <   >  >>