للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} (١).

والملاحظ في التعبير القرآني: أن الآية الأولى - آية الأنعام - نصت على أن قتل الآباء للأبناء كان بسبب الفقر الموجود فعلا، ولم يستطع معه الآباء أن يقوموا بواجب النفقة على أولادهم، ولم يتحملوا رؤية أبنائهم في حاجة إلى لقمة العيش، فيتخلصون منهم بقلتهم، لهذا قدم في الذكر رزق الآباء على الأبناء، وبين لهم أن الكل من الله.

أما في الآية الثانية: "آية الإسراء" فهي بالعكس من ذلك، فإنه قدم في الذكر رزق الأبناء على رزق الآباء لأن قتلهم لهم كان من أجل الخوف من فقر متوقع ومنتظر - فهو غير موجود - يرون أنهم لا يقدرون معه على القيام بنفقة أبنائهم، فيتخلصون منهم بقتلهم، فهذا التعبير البليغ من دقائق القرآن العجيبة، كما أشار إلى ذلك علماء التفسير القرآنيون، والمسلمون الآن صار البعض منهم يسلك سبيل الجاهلية الأولى، فيستعمل وسائل منع الحمل وهذا هو الوأد الخفي، كما في الحديث عندما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن - العزل - الذي رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها، وهو قوله: ((ذلك الوأد الخفي)) إشارة لقوله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} (٢) فإذا تأملنا جيدا آيتي الأنعام والإسراء وجدنا أن القرآن يوصي الأبناء بالإحسان إلى آبائهم في حال كبر السن أو العجز عن اكتساب القوت، كما يوصي الآباء بالرحمة بأبنائهم في حالة الصغر والضعف، كل ذلك لتنشأ سلسلة الأسرة متماسكة الحلقات، كونت على أساس ومادة من الرحمة والحب والعطف والعدل، وبهذا يكون تكوين الأسرة وصوغها قويا وصنعها متينا محكما، لا تزعزعه الرياح والأعاصير مهما اشتدت واستمرت، إذ كل واحد فيها يعرف ما له وما عليه.

هكذا تربى الأسرة المسلمة بوصايا القرآن، غير أن صدوف المسلمين المتأخرين عن هدى القرآن ونور الإسلام الكامل، ونبذهم لشريعتهم - عملا وتطبيقا - ظانين أنهم يجدون الراحة والخير في غيرها، وصلاح


(١) الآيتان ٣٠ - ٣١ من سورة الإسراء.
(٢) الآيتان ٨ - ٩ من سورة التكوير.

<<  <   >  >>