من أجل هذا، ومن أجل أن الخالق تكفل بأرزاقنا وأقواتنا - إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين - إذا سعينا لها بالوسائل المطلوبة، فالمسلمون - مهما كثر عددهم - فهم قلة قليلة إلى جنب من كفروا بربهم، وجحدوا ألوهية خالقهم، وتمسكوا بخيوط واهية لا تمسكهم إلا كما تمسك خيوط العنكبوت أثقل الأشياء وزنا، وتركوا حبل الله المتين الذي لا نجاة للعباد من الهلاك والخسارة إلا في التمسك به والاعتصام بقوته ومتانته.
فتحديد النسل - الذرية - معناه أن نجعل لتزايد الأولاد حدا محدودا لا نتعداه، أو منعه وإبطاله مرة واحدة، فهو بهذا الاعتبار مخالف لما جاءت به الشريعة الإسلامية - مثل جميع الشرائع السماوية - فالمسلمون إذا عملوا على التقليل من نسلهم أو منعه فهم ضد شريعتهم، كما يتبين ذلك من أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم، فالرسول المبلغ عن الله رغب أمته في تكثير نسلها وعددها لتكون به قوية.
من ذلك ما أخرجه أبو داود في سننه في باب:(النهي عن تزويج من لم يلد من النساء) عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنما أصبت امرأة ذات حسب وجمال وأنها لا تلد، أفأتزوجها؟ قال: ((لا))، ثم أتاه الثانية، فنهاه، ثم أتاه الثالثة فقال:((تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم)).
كما أخرجه النسائي أيضا بألفاظ متشابهة عن معقل بن يسار، وفي بعضها اختلاف يسير وعنون له بقوله:(كراهية تزويج العقيم)، وأخرج الإمام أحمد في مسنده والطبراني في الأوسط عن أنس رضي الله عنه قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة، وينهى عن التبتل (١) نهيا شديدا، ويقول:((تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيام)) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وأقره وقال: وإسناده حسن.
هذه هي سنة رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام التي كان يأمر بها أصحابه والتي لا ينبغي تركها والعدول عنها إلى ما دعت إليه الشياطين، فسيكاثر بأمته الأنبياء والأمم يوم القيامة، يوم يجمع الله فيه الخلائق، هذه
(١) الباءة القدرة على التزوج، والتبتل ترك الاشتغال بالدنيا والانقطاع للعبادة.