للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مستقبلها وماذا سيكون فيه بعد أن استعاد المسلمون أوطانهم وقوتهم التي فقدوها بسبب استيلاء المستعمرين عليها، ففكروا كثيرا وقدروا تقديرا فهداهم تفكيرهم وتقديرهم إلى أن الشعوب الإسلامية سيأتيها يوم تسيطر فيه على العالم نظرا لبهرة عددها وقوتها المتزايدة وما تملكه في أوطانها من مواد خام وغير ذلك، وبذلك سينتزعون السيادة والقيادة منهم، لهذا أخذوا ينشرون تقارير خبرائهم الاقتصاديين، ويعلنون: أن العالم مقبل على مجاعة عظيمة بالنظر إلى عدد السكان وكثرتهم، وقلة الأقوات، وأذاعوا بياناتهم ناصحين، بأن الواجب يحتم على الشعوب - وخاصة النامية - والحكومات أن تستعد لمواجهة خطر هذه المجاعة المنتظرة بتنقيص عدد السكان - من غير أن ينقصوا هم من وسائل القتل والتدمير والإحراق والخراب، وهي وسائل تحصد البشرية حصدا - فكان أول الملبين لندائهم بعض الشعوب الإسلامية - إسما لا عملا - فتأثروا بتلك البيانات، فخطب نوابهم في المجالس، وخطباؤهم على المنابر، وسخروا لهذه الحملة ما عندهم من وسائل الإعلام والأخبار، من صحافة وإذاعة وغيرهما، وحتى من يسمون أنفسهم بـ - علماء الدين - باحثين ومنقبين عن المرخصات لتحديد النسل أو منعه، حتى لا يموت المسلمون - المساكين!!! - جوعا، وقد وجدوا في كلمة الإمام الغزالي سندا يستندون عليه، فصدرت بذلك الفتاوى من أصحاب الفضيلة حماة الدين، في الصحافة وغيرها مرغبة في اتخاذ الوسائل للتنقيص من الأولاد أو منعهم بتاتا، كأن الأرزاق بأيديهم لا بيد الله خالق العباد سبحانه لا إله غيره، ولا رازق سواه، حتى أن الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة قد أعد جائزة مالية لمن ينظم نسله.

وهنا نكون قد رجعنا من حيث نشعر أو لا نشعر إلى حالة العرب الجاهليين التي نعاها عليهم القرآن مبينا لهم خطأهم في تقويم الأرزاق كما جاء ذلك في الآيات السابقة.

إن منع الحمل لا يجوز - شرعا - إلا في ظروف خاصة لا صلة لها بكثرة تزايد عدد سكان المعمورة، فإذا كان المنع من أجل الخوف من الجوع فهو من أعمال الجاهليين التي خطأهم فيها القرآن فيكون المسلمون قد رجعوا إلى عقيدة الجاهلية وعهدها، فمجوزه وفاعله لا إيمان لهما بربهما ولا بوعده، مهما تستر العامل به أو المجوز له بغير ما أظهره،

<<  <   >  >>