إذا ظلم، أو قتل له قتيل، أو سيقت إبله بغيا وعدوانا - كما هي عادتهم في القديم - كان يقول: الطيب أو الغسل علي حرام حتى أثأر لنفسي ممن ظلمني، أما أحفادهم فقد مسهم الذل والمسكنة من كل جانب، فسكتوا ولم يثأروا لأنفسهم، بل ما إن توقفت مدافع اليهود وطائراتهم عن دك ونسف دورهم وحصونهم والاستيلاء على أراضيهم حتى هرعوا - مسرعين - إلى دور السينما والرقص والتمثيل، كأنهم كانوا في جولة للتفسح والنزهة ونسوا كل ما نزل بهم في ساعات قليلة.
قالوا: إن أمريكا - القوية - في عون اليهود، ونحن ضعفاء لا حول لنا ولا طاقة بحرب أمريكا، فنقول لهم: إن رب أمريكا أقوى منها - إن كنتم مؤمنين به - فلو أطعتموه وعملتم بدينه لصرف عنكم أمريكا وإعانتها لليهود - رحمة بأوليائه وأنصار دينه - ولكنكم عصيتموه ونبذتم دينه فسلط عليكم من قهركم واستباح حماكم - والكفر كله ملة واحدة - فـ (لا تتهوكوا، ولا يغرنكم المتهوكون).
وأذكر بهذه المناسبة ما قاله الرجل العالم العامل الشجاع المرحوم الشيخ عبد الحميد ابن باديس - رحمه الله - رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لرئيس وزراء فرنسا: دلاديي، عندما ذهب مع الوفد النيابي الجزائري إلى باريس ليطالب بحقوق الشعب الجزائري، فلما كان الوفد في مكتب الرئيس دلاديي وقدموا له مطالب الشعب الجزائري، رد عليهم مطالبهم ردا غير لائق، وفي الرد شيء من التهديد والوعيد، فقال مخوفا لهم:
(إن فرنسا عندها مدافع طويل يصل إلى كل مكان ...) فسكت عنه النواب المثقفون ثقافة فرنسية، وكان فيهم المحامي والطبيب وغيرهما، فلم يستطع أي واحد منهم أن يرد عليه قوله بمثله غير الشيخ عبد الحميد ابن باديس العالم الديني الشجاع - والعلماء الآن ينعتون بالرجعيين من طرف ... - إذ رد عليه تهديده بقوله الدال على قوة إيمانه بربه، فقال له:(إن مدفع ربي أطول من مدفع فرنسا ...) فتأثر رئيس وزراء فرنسا وسكت، مما قاله الشيخ وهكذا كان الأمر، وصدق ما قاله الشيخ المؤمن بربه وحده، فلم تمر سوى مدة يسيرة من الزمن حتى قامت الحرب العالمية الثانية (١٩٣٩ - ١٩٤٥) فكانت فرنسا أول دولة هزمت وانهزمت فيها، ولم ينفعها مدفعها الطويل، كما قال رئيس وزرائها، غير أنه لم يدرك هزيمة فرنسا القوية بمدفعها