وقال الإمام الغزالي في "المستصفى" ١/ ١٦٣: إذا روى العدل الثقةُ عن غيره هل ذلك تعديلٌ؟ على روايتين، والصحيح أنه إن عُرِفَ مِن عادته أو تصريح قوله: أنه لا يستجيزُ الرواية إلا عن العدل، كانت الروايةُ حينئذ تعديلًا له، وإلا فلا، إذ من عادة أكثرِ المحدثين الروايةُ عن كلِّ من سَمِعُوا منه، ولو كلِّفُوا الثناءَ عليه، لسكتوا وما فعلوا، فليس في مُجرَّد الرواية عن الراوي دونَ التزام عادةٍ أو شرطٍ فيها، تصريحٌ بالتعديل له أو التزامٌ بذلك.
فإن قيل: لو عرفه بالفسق، ثم روى عنه كان غاشًّا في الدين. قلنا: هو لم يوجب على غيره العملَ بروايته، بل قال: سمعتُ فلانًا قال كذا، وقد صَدَقَ فيه، ثم لَعَلَّه لم يعرفه بفسق ولا عدالة، فروى عنه، وَوَكَلَ البَحْثَ إلى من أراد قبولَ خبره.
قلنا: واسثتناء الغزالي من عُرف من عادته أو حاله أنه لا يروي إلا عن ثقة، ليس على إطلاقه، وإنما هو في الأعم الأغلب، فقد رَوَى هؤلاء الذين قيلَ فيهم ذلك عن بعضِ الضعفاءِ والواهين.
فقد روى شعبة عن سيف بن وهب التميمي، ومحمد بن عبيد الله العَرْزَمي، وإبراهيمَ بن مسلم الهَجَرِي، وجابرِ بن يزيد الجعفي، وغيرِ واحد ممن يُضَعَّفون في الحديث. ويحيى بنُ سعيد القطان، وهو المعروف بتشدده في الرجال روى عن قومٍ ضعفاءَ، ومالكُ بن أنس روى عن عبد الكريم بن أبي المخارق البصري، وهو ضعيف. وروى أحمد عن نصر بن باب الخراساني المروزي وهو متروك، وعن مؤمَّل بن إسماعيل، وعمرو بن مجمع السكوني، وكلاهما ضعيف، وعن محمد بن القاسم الأسدي وهو ضعيف جدًّا، وبعضهم اتهمه. ويُستثنى من ذلك أبو داود السجستاني صاحبُ السنن، فإنه قد عُرِف بالاستقراء أنه لا يروي في