كل واحدٍ منهم، فضلًا عن اضطرابه اضطرابًا شديدًا في هذه الألفاظ وعدم التزامه الدِّقة، تارةً يُطلق لفظة "صدوق" على من هو ثقة، وتارة يطلقها على من هو حسنُ الحديث، وتارة يطلقها على مَنْ هو دُونَ ذلك. أما قولُه "صدوق يهم"، أو "صدوق يُخطئ" ونحوها، فهي عبارات غالبًا ما يطْلِقُها على المختلَفِ فيهم من غير دراسة وتدبرٍ لأقوال أئمة الجرح والتعديل، أو دراسةٍ لحديث الراوي.
إن هذا التباينَ الشديدَ في الألفاظ والعبارات وكثرتها، واختلاف مدلولاتها بينَ عالمٍ وآخر، ومِن عصرٍ لآخر يقتضي عملًا علميًّا من أهلِ عصرنا لِوضع ضوابط لها وتصنيفها إلى مجموعات تَدُلُّ كُل مجموعة على رُتبة معينة يُوصَفُ بها الراوي، ويتبعه وصفُ إسناد الحديث عند تفرده به، وليتمكن الباحثون في السنة النبوية إدخالَ هذه الألفاظ في "الحاسوب" تمهيدًا لجمع السُّنة وغربلتها وتصنيفها.
[عملنا في الكتاب]
ينقسِم عملُنا في هذا الكتاب إلى قسمين:
القسم الأولُ: خاصٌّ بضبطِ نصِّ كتاب "التقريب"، والتعليق عليه بما يفيد ذلك:
١ - قابلنا الكتابَ على النُّسخة التي كتبها المصنفُ بخطه، وعلى النسخة التي كتبها العلامةُ محمَّد أمين بن حسن الميرغني الحسيني الحنفي المكي، من علماء القرن الثاني عشر الهجري، أحد تلامذة المحدث الكبير عبد الله بن سالم البصري، الشافعي، المتوفى سنة ١١٣٤ هـ، وهي التي تفضّل بإهدائها إلينا العلامة الشيخ محمود ميرة حفظه الله تعالى.