للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الكتاب المختصر المعتصر، وهو الذي يقول في موضع آخر عن مثل هذا التضعيفِ: "ولا أثر لذلك التضعيفِ مع الصدق والضبط" (١).

٣ - والأسوأ من كُلِّ هذا: التضعيفُ لموضع الرأي، كما رأينا ذلك في كثيرٍ من الرواة الكوفيين الثقاتِ من أصحاب أبي حنيفة رحمه الله، مع أن كثيرًا ممن ضُعِّفَ لأجلِ هذا كانوا من ذوي الرأي السديد المُشيد على الكتاب والسُّنة، وقد سلكوا فيه طريقًا محمودًا كسائِرِ الأئمة المتبوعين، وَكانَ له الأثرُ الكبير في إغناءِ الفقه الإسلامي بتشريعات وافية، وحلولٍ عملية لما يستجِدُّ من الحوادث والقضايا.

٤ - ومنه كلامُ الأقران بعضهم في بعض، وهو غير مقبول إذا كان صادرًا عن عصبية مذهبية، أو منافسة دنيوية، ولا يوجب طعنًا على القائل ولا على المقول فيه، فلا يُسمع مثلًا قولُ ربيعة بن أبي عبد الرحمن في أبي الزناد عبدِ الله بن ذكوان، ولا كلام النسائي في أحمد بن صالح، ولا كلام الثوري في أبي حنيفة، ولا كلام ابن أبي ذئب في مالك.

٥ - ومنه أيضًا التضعيفُ بسبب الخطأ اليسير، كأن يُخطئ الثقةُ في حديثٍ، أو في بضعةِ أحاديث. ومعلوم عندَ العلماء أن إطلاقَ لفظ "ثقة" على راوٍ من الرواة يعني أن أكثر حديثه صحيح، ونادرًا ما يَقَعُ له الخطأ أو الوهم أو المخالفة. والثقات يقعُ لهم الوهم، بل لا يكاد يَنْفَكُّ منه عظماءُ المحدثين الثقات الأثبات كشُعبة والسفيانين، وغيرهم. ولذلكَ فإن إلصاقَ الوهم، أو الخطأ، أو الإغراب في الثقات أو الصادقين الذين يَنْدُرُ الخطأ عندهم فيه مجانبة للنهج الأعدل.

ويتعين التنبيهُ هنا، نتيجة لما ذكرنا، أن لا يُكتفى بدراسة الإسنادِ


(١) "هدي الساري": ٣٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>