للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واختلف المتأخرون في اشتقاق الحروف فقال بعضهم الحروف لا تشتق وقال آخرون بل لها اشتقاق وانما ينبغي إن يطلق هذا على ما عدده منها ثلاثة أحرف فما زاد، فأما ما عدده حرفان أو هو حرف واحد لا ينفرد فلا يمكن في ذلك إلا إن يحكموا على الحرف بعد أخراجه من الباب فيقولون إذا سمينا الرجل بمن الخافضة ثم صغرناه فلا بد إن زيد فيه حرفا كما فعلنا بدم ويدٍ في التصغير فإذا قلنا في تحقير من بعد التسمية بها مني ومنين وجب إن يقال وزن من فع ووزن كم على هذا فع ووزن رب فعل فإذا خففت فوزنها، فع وأسماء الأضمار جرت عندهم مجرى الحروف المفردة في أنها لا توزن ولو فعلنا بأنا ما فعلنا بمن لجاز إن نقول وزنه فعل إلا إن ذلك خروج من الباب ومن قال مثل هذا في أنا لزمه إن يقول إن أنت وزنه فعت لأن التاء إنما دخلت للمخاطبة وقد يجوز إذا أخرجنا أنا من الباب إن يقال وزنها فعى لأن بعض العرب قد قال إن بسكون النون في معنى أنا وهذا ما لا يصح حتى يخرج الحرف من الباب كما إن قائلا إذا قال لك ما وزن قد في قولك قد قام فلان لم يصح إن شت فها له حتى تخرجها من الباب فيضطرك إلى زيادة فيها تصغير أو جمع فأما اسماه الأضمار فجنسان متصلة ومنفصلة فالتاء في ضربت ليس لمدع إن يدعي أنها فاء من الفعل ولا عين ولا لام ولا أنها أخذت من لفظ آخر فجعلت في هذا الموضع، وكذلك أنا وأنت ما داما في باب الاضمار فلا يجوز إن يحكم عليهما بوزن كما لا يحكم إن تاء المتكلم هي التاء التي تلحق المضارع من ذوات الأربعة لأنها مضمومة ولا إن تاء المخاطب هي التاء التي تلحق المضارع المفتوح الأول لأنها مفتوحة وكان واجبا في حكم القياس إن يكون المنفصل من المضمرات بمنزلة المتصل لأنهم توصلوا إلى انفصاله بأن جعلوا عدته اكثر من عدة المتصل وليس مواففقه قولهم أنا لفظ أني بأني وما كان نحوه بدليل على انه مشتق وكذلك قولهم أنت مشابه قولهم أنت من الأنيت وهو نحوه الطحير والضمير المنصوب جار مجرى المرفوع، فالكاف في ضربتك لا يجوز أن يحكم عليها بوزن ولا بأنها مأخوذة من شيء وإياك جاريية مجراها إلا أن إياك مركبة من شيئين والكاف في ضربتك حرف واحد يسكن في الوقف ويحرك في الوصل فإذا سكن فهو شيء واحد وإذا تحرك فهو شيئان حرف واحد وحركة واحد الشئين الذين ركبت منهما اياك هو الكاف وحكمها في بنيتها لا في موضعها حكم الكاف في ضربتك والشيء الآخر إيا وعددها أربعة احرف لان فيها تشديداً يحكم على الحرف بانه اثنان وقد خالفت المضمرات في الطول وذلك إنها لم تبلغ هذه العدة تقول هو فتجيىء بها على حرفين واللغة الفصحى تحريك الواو ومن العرب من، يسكن الواو كما قال النظار الأسدي:

كأنما هو حبشي ماثل ... عار عليه من تلاد هدمان

ولما طال الشيء قرب من الاشتقاق اعني من هذه الحروف التي وضعت للاضمار ولا أمنع إن يشذ شيىء من ذلك فأما اياك فخلافهم قد وضح ومن زعم إن الكاف لا موضع لها كانت على قياس رأيه ابعد من الاشتقاق والوزن لأنها أشد تحققاً بالمضمرات اذ كان المضمر لم تجر عادته إن يضاف ومن زعم إن اياك مضافة فللسائل إن يسسأله عن اشتقاقها كما يسأله عن اشتقاق معزى ووزنها إذا قال معزاك والألفاظ تتقارب وتتفق في السمع وهي مختلفة في المعنى والوزن وليس ذلك في كل الألفاظ وانما هو في بعض دون بعض فإذا جرى الكلام في وزن ايا قال القائل يجوز أن يكون على فعلى وألفها للتأنيث أو فعلى وألفها للالحاق أو إفعل في وزن أصبع ثم يكون القياس مسلطاً بعد ذلك على اختيار أحد هذه الوجوه تسويته بينها في القوة.

فمن قال إن ايا فعلى وألفها للتأنيث فانها تحتمل نوعين من الاشتقاق إحداهما إن تكون من اوى إلى المنزل وتكون من قوولهم أويت له أي رققت فإذا كان من اويت إلى المنزل جاز إن يعنى بها النفس التي تأوي إلى الجسد وجاز إن بها الجثة التي تأوي إلى الجسد وجاز إن يعني بها الجثة التي تأوي نفس الانسان اليها وتكون من الباب الذي يسمى فيه الشيء بتسمية ما صاحبه أو جاوره كما يقال للاناء كاس وللخمر كاس وظعينة للهوج وظعينة للمرأة وكما سميت المرأة بيتاً لأنها في البيت تكون قال الشاعر:

هنيئاُ لأرباب البيوت بيونهم ... وللعرب المسكين ما يتلمس

<<  <   >  >>