وتلقفت منهم حقائق العلم، والثقة بالعلم، والتضحية من أجل العلم فتحررت بفضل ذلك وعرفت الطريق نحو الحضارة.
وإذا كانت البشرية قد وصلت اليوم إلى القمر والكواكب، فإنها مدينة في ذلك لما قرره القرآن في الآيات التي تلوناها، وفي أمثالها، بل إن القرآن ليقرر ما هو أبعد من مجرد الوصول إلى القمر!، يقرر تسخير هذه الكواكب لصالح هذا الإنسان.
ويضرب النبي ﷺ المثل الأعلى في الحفاظ على الحقيقة العلمية والأمانة، حين كسفت الشمس يوم موت عظيم، أو ولادته. فقال الناس: والكسوف يقعان بسبب موت عظيم، أو ولادته. فقال الناس: خسفت الشمس لموت إبراهيم ابن النبي ﷺ، وإذا بالنبي ﷺ يجمع الناس يصلي بهم ركعتين سنة الكسوف ثم يخطب فيهم يقول:
"إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وتصدقوا … "(١).
ولقد كان المصاب فاجعا بالنسبة للنبي ﷺ، حزن من أجله حزنا عظيما حتى ذرفت عيناه ووقف يقول هو يردع ولده:" إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون ".
ومن ذا الذي يرزأ بمثل هذا الخطب ثم لا يرى الدنيا مكتسية ثوب الحداد لرزئه وأن الشمس والقمر تشاركانه الأسى لمصابه.
لكن محمدا الأمين ﷺ يراعي قبل هذا كله، وفوق هذا كله الحقيقة العلمية التي اطلعه الله عليها، وإذا به يخطب في الناس ليحطم
(١) متفق عليه، البخاري بلفظه في الصلاة: ٢: ٣٤. ومواضع أخرى. ومسلم: ٣: ٢٧.