الكروية فإن أعظم جبل بالنسبة إليها كنسبة سبع عرض شعيرة إلى كرة قطرها ذراع وقوله تعالى (وجعل فيها رواسي) معناه جعل فيها جبالا ثوابت في احيازها من الرسو وهو ثبات الأجسام الثقيلة, وفي الخبر «لما خلق الله تعالى الأرض جعلت تميد فخلق الله الجبال عليها فاستقرت فقالت الملائكة ربنا خلقت خلقاً أعظم من الجبال قال نعم الحديد فقالوا ربنا خلقت خلقا أعظم من الحديد قال نعم النار فقالوا ربنا خلقت خلقا أعظم من النار قال نعم الماء فقالوا ربنا خلقت أعظم من الماء قال نعم الهواء فقالوا ربنا خلقت خلقاً أعظم من الهواء قال نعم ابن آدم يتصدق الصدقة بيمينه فيخفيها عن شماله» فقال الألوسي رحمه الله بعد هذا. وهذا أيضاً لا ينافي حركة الأرض اليومية والسنوية التي قال بها أهل الهيئة فإن الله تعالى لو لم يخلق في الأرض الجبال لمادت أي اضطربت والميد اضطراب الشيء العظيم. فلما ألقى فيها الرواسي وهي الجبال الثوابت انتفى ذلك ووجه كون الإلقاء مانعاً من اضطراب الأرض أنها كسفينة على وجه الماء والسفينة إذا لم يكن فيها أجرام ثقيلة تضطرب وتميل من جانب إلى جانب بأدنى حركة شيء وإن وضعت فيها أجرام ثقيلة تستقر فكذا الأرض لو لم يكن عليها هذه الجبال لاضطربت فالجبال بالنسبة إليها كالأجرام الثقيلة الموضوعة في السفينة بالنسبة إليها, والمقصود أن جعل الرواسي فيها لا يعارض حركتها بوجه من الوجوه كما أن السفينة إذا كان فيها أجرام ثقيلة تمنع اضطرابها وميلها من جانب إلى جانب لا ينافي حركتها. وسنزيد ذلك بياناً فيما يناسب من الآيات الآتية إن شاء الله تعالى انتهى كلام الألوسي.
فهل رأيتم كلاماً أصرح من هذا الكلام في كروية الأرض وحركتها أليس هذا من مفاخر علمائنا وتوفيق الله لهم في معرفة العلوم الكونية, إن هذا الكتاب (ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة القويمة البرهان) انتهى صاحبه من تأليفه كما قلت منذ قرابة خمسين عاماً ومع هذا ففيه من الكلام الواضح الذي يدل على ما بلغوه من الدرجات العليا في العلوم الكونية وحركات الأفلاك رحمهم الله وجزاهم عن الإسلام خير الجزاء.
والجواب عما في هذا الفصل يتلخص في عشرة أمور:
الأول منها مدحه لكتاب الألوسي المسمى (ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة) وزعمه أن فيه البركة.