الوجه الثامن أن علماء المسلمين الذين هم ورثة النبي صلى الله عليه وسلم كالخلفاء الراشدين وسائر علماء الصحابة والتابعين وتابعيهم وأئمة العلم والهدى من بعدهم لم يكن أحد منهم يشتغل بعلم الفلك ولم يؤلفوا فيه شيئاً ولم ينشئوا شيئاً من المراصد الفلكية كما قد يوهمه قول الصواف إن العلماء المسلمين أول من اشتغل بعلم الفلك إلى آخره.
وإنما الذين كانوا يشتغلون بعلم الفلك والتأليف فيه وإنشاء المراصد الفلكية صنفان من الناس وهم الفلاسفة والمنجمون. وكثير من المنتسبين منهم إلى الإسلام كانوا متهمين في دينهم. بل منهم من هو شر على الإسلام والمسلمين من اليهود والنصارى وسائر المشركين مثل نصير الكفر الطوسي وابن سينا القرمطي الباطني وغيرهم من الفلاسفة الذين كانوا ينتسبون إلى الإسلام وهم في غاية البعد منه بل هم الأعداء الألداء للإسلام وأهله على الحقيقة.
ثم لو سلمنا تسليماً جدلياً أن أحدا من علماء المسلمين اشتغل بعلم الفلك وألف فيه شيئاً من المؤلفات فهم لم يقولوا بثبات الشمس وحركة الأرض ودورانها على الشمس.
الوجه التاسع أن إنشاء المراصد الفلكية عند المسلمين إنما كان في زمن المأمون حين عربت كتب الأوائل ومنطق اليونان. قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة شجاع بن الوليد بن قيس. لما قتل الأمين واستخلف المأمون على رأس المائتين نجم التشيع وأبدى صفحته وبزغ فجر الكلام وعربت كتب الأوائل ومنطق اليونان وعمل رصد الكواكب ونشأ للناس علم جديد مرد مهلك لا يلائم علم النبوة ولا يوافق توحيد المؤمنين قد كانت الأمة منه في عافية - إلى أن قال - إن من البلاء أن تعرف ما كنت تنكر وتنكر ما كنت تعرف وتقدم عقول الفلاسفة ويعزل منقول أتباع الرسل ويماري في القرآن ويتبرم بالسنن والآثار وتقع في الحيرة. فالقرار قبل حلول الدمار.
وإياك ومضلات الأهواء ومحارات العقول. ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم انتهى كلامه رحمه الله تعالى. فذكر أنه بسبب تعريب كتب الأوائل ومنطق اليونان وإنشاء المراصد الفلكية نشأ للناس علم جديد مرد مهلك لا يلائم علم النبوة ولا يوافق توحيد المؤمنين.