(قال أبو السعود) على قوله تعالى (وترى الجبال) عطف على ينفخ داخل في حكم التذكير, وقوله عز وجل (تحسبها جامدة) أي ثابتة في أماكنها (وهي تمر مر السحاب) أي تراها رأي العين ساكنة والحال أنها تمر مر السحاب التي تسيرها الرياح سيراً حثيثاً - إلى أن قال - وهذا مما يقع بعد النفخة الثانية عند حشر الخلائق يبدل الله عز وجل الأرض غير الأرض ويغير هيئتها ويسير الجبال عن مقارها على ما ذكر من الهيئة الهائلة ليشاهدها أهل المحشر. وهي وإن اندكت وتصدعت عند النفخة الأولى لكن تسييرها وتسوية الأرض إنما يكونان بعد النفخة الثانية أ. هـ باختصار.
(الرازي) عند قوله تعالى (وسيرت الجبال فكانت سراباً) قال اعلم أن الله تعالى ذكر في مواضع من كتابه أحوال هذه الجبال على وجوه مختلفة ويمكن الجمع بينها على الوجه الذي نقوله وهو أن أول أحوالها الاندكاك وهو قوله (وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة).
والحالة الثانية لها أن تصير كالعهن المنفوش. وذكر الله ذلك في قوله (يوم يكون الناس كالفراش المبثوث. وتكون الجبال كالعهن المنفوش) وقوله (يوم تكون السماء كالمهل. وتكون الجبال كالعهن).
والحالة الثالثة أن تصير كالهباء وذلك أن تتقطع وتتبدد بعد أن كانت كالعهن وهو قوله (إذا رجت الأرض رجاً. وبست الجبال بساً. فكانت هباء منبثاً).
والحالة الرابعة أن تنسف لأنها مع الأحوال المتقدمة قارة في مواضعها والأرض تحتها غير بارزة فتنسف عنها بإرسال الرياح عليها وهو المراد من قوله (فقل ينسفها ربي نسفاً).
والحالة الخامسة أن الرياح ترفعها عن وجه الأرض فتطيرها شعاعاً في الهواء كأنها غبار فمن نظر إليها من بعد حسبها أجساماً جامدة لتكاثفها وهي في الحقيقة مارة إلا أن مرورها بسبب مرور الرياح بها مندكة متفتتة وهي قوله (وهي تمر مر السحاب). ثم بين أن تلك الحركة حصلت بقهره وتسخيره فقال (ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة).
والحالة السادسة أن تصير سراباً بمعنى لا شيء فمن نظر إلى مواضعها لم يجد فيها شيئا كما أن من يرى السراب من بعد إذا أتى الموضع الذي كان يراه فيه لم يجده شيئاً والله