فإن قالوا: إنما يقتل حدا لا ردة، قلنا: فالدليل حينئذ قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) النساء/٤٨. وهذا حينئذ من دون ذلك؛ لأن الفرض أنه حد لا ردة.
فإن قلت: حد الزنا ونحوه لا يسقط بالتوبة فالقياس أن هذا مثله.
قلت: ذلك خارج عن القياس، إذ الأصل في كل معصية أن تسقط بالتوبة إلا ما استثني كحد الزنا فلا يقاس عليه؛ لأن ما خرج عن القياس لا يقاس عليه.
٤ - ومنها: أنه ينبغي التنبيه لما وقع في الشفاء نقلاً عن أصحاب الشافعي رضي الله تعالى عنه أن من سبّ النبي صلى الله عليه وسلم يقتل وإن تاب, فإن هذا وهم منه على أصحاب الإمام الشافعي رضي الله عنه لاتفاقهم على عدم قتله في سب غير قذف, وأما السب الذي هو قذف فجمهورهم كما قاله غير واحد من المتأخرين مرجحون لعدم قتله أيضا لعموم قوله تعالى:(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) الأنفال/٣٨. ولقوله صلى الله عليه وسلم:(لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ). وقوله:(أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ). وقوله:(الْإِسْلَام يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ).
ومن ثم نص الشافعي رضي الله تعالى عنه في "الأم" على ما يوافق ما مرّ عن الأصحاب الموافق لهذه الآية والأحاديث, وعبارتها: وإذا ارتد القوم عن الإسلام إلى يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو تعطيل أو غير ذلك من أصناف الكفر، ثم تابوا عصموا دمهم بالتوبة وإظهار الإسلام انتهت. فتأمل عموم قوله أو غير ذلك.