صريح فحكم بالطلاق، أو كناية فحكم ببقاء العصمة، ثم بان أنه غراب فليس لحاكم آخر الحكم بخلاف ذلك مستندا إلى أنه حكم قبل تيقنه أحد الطرفين. إذ لو كان كذلك لم يتجه حكم أصلاً، وحصل الضرر ببقاء المرأة مع الجهل بالحال معلقة لا منكوحة ولا مطلقة.
واعلم أنه لا يشترط قصد الحاكم رفع الخلاف فإذا حكم مستنداً لشيء، وهناك ما لو اطلع عليه لم يحكم كما إذا حكم ببينة خارج فظهر للداخل بيِّنة، وهو يرى تقديمها نقضه وإن لم يره لم ينقضه.
ونظيره هنا لو حكم مالكي بعصمته مستنداً للإسلام المستمر، ثم ثبت عنده مكفر جاز له الحكم بإهداره، وكذا لغيره ممن يرى ذلك؛ لأن الحكم الأول إنما كان لظن عدم مكفر، فحيث ثبت بانَ بطلانه بخلاف حكم الشافعي فإنه صحيح، وإن فرض وجود ذلك المكفر، فليس هناك ما لو اطلع عليه لم يحكم، فالضابط أن كل حكم قارنه ما لو علم به الحاكم لم يحكم بنقض على تفصيل فيه بيناه في مسألة الفرس، وكل حكم قارنه ما لو علم به حكم لا ينقض.
وبالجملة: من ادعي عليه بكفر لم يثبت، لو طلبه ظالم ليقتله، فطلب من حاكم شافعي أن يحكم بعصمته، فمن يمنعه يلزمه أنه مكّن الظالم من قتله مع قدرته على إنقاذه بمنعه.
٩ - ومنها: لو انتُزعت دار من داخلٍ ببينة وحكم له بها، ثم أقام الداخل بينة عنده نقض، وقيل: لا، وقيل: إن كان قبل التسليم، فإن أقامها عند حاكم آخر، فإن علم أن الحاكم الأول إنما حكم لعدم علمه ببينة الداخل فكذلك، وإن احتمل أنه إنما حكم ذهاباً إلى ترجيح بينة الخارج، وهو من أهل الترجيح، أو شك الحاكم لم ينقض على الأصح، بل تقر في يد المحكوم له، فإذا كان هذا قول الأصحاب فيمن لم يقصد بحكمه منع ما هو متوقع ثبوته، فكيف في مسألتنا التي قصد الحاكم بحكمه عصمة المحكوم له عما نسب إليه ويتوقع ثبوته، وهذه المسألة ينبغي أن تحرر ويعتنى بها، فإن الناس يحتاجون إليها.