فهذا التقدير غير لازم ولا مطرد فقد يمتنع لمانع، وإذا كان أصل وضع اللفظ في اللغة للتعظيم فلا يمنع منه لأجل ذلك التقدير، ولا تمشي ألفاظ الناس على دقائق أهل العربية التي لا دليل عليها على أنه يمكن تقدير ما يوافقهم بما لا إنكار فيه، من غير إخلال باللائق بالرب جل جلاله بأن يقدر شيء وصفه لذلك، وهو إما نفسه أو من ِشاء من خلقه، ولا يقدر: شيء صيره كذلك.
١٢ - وأفتى السبكي أيضاً فيمن سئل عن شيء فقال: لو جاء جبريل ما فعلته، بأنه لا يكفر؛ لأن هذه العبارة تدل على عظمة جبريل عنده.
١٣ - وأفتى أبو زرعة فيمن قال لآخر: سألتك أن تهجرني في الله فقال: هجرته لألفٍ لله بأن مقتضى هذا اللفظ تعدد الآلهة، وذلك كفر صريح، فإن أراده ضربنا عنقه إن لم يتب، فإن ادعى تأويلا يصرفه عن الكفر بأن أراد أسباب الهجرة التي هي لأجل الله، فكأنه قال: هجرتك لألف سبب لله تعالى، فأطلق السبب على المسبب له قُبِل ذلك منه بيمينه، لاحتمال اللفظ له، أو قال: هجرتك ألف هجرة لله، فذلك مما يحتمله اللفظ بتأويل فيقبل أيضاً حقناً للدم بحسب الإمكان، ولا سيما إن كان القائل لذلك مما لا يعرف بعقيدة سيئة، لكن يؤدب على إطلاق هذا اللفظ لبشاعة ظاهرة.
١٤ - وأفتى شيخنا زكريا الأنصاري سقى الله عهده في اثنين تخاصما، فقال أحدهما للآخر: لست مثلك، أدخل للحاكم وأعمل فضوليا، ولو أردت ذلك لدخلت إليهم وتفوضلت وكفرت ألفي كفر، فهل يكفر بذلك أو لا؟ فماذا يلزمه؟ بأنه يكفر بذلك إلا أن يريد غير الكفر من أنواع الإيذاء فلا يكفر، لكنه ارتكب محرماً، فيلزمه التعزيز البالغ الرادع له ولأمثاله عن مثل ذلك، وبأن من تلفظ بالشهادتين بالعجمية، وهو يحسن العربية لا يكون مسلماً بذلك كنظيره في تكبيرة الإحرام.