سبق زمن الردَّة، فعندهم يجب، وعندنا لا يجب لقوله تعالى:(وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) البقرة/٢١٧. فقيد الإحباط بالموت على الردة، وبه يتقيد إحباط العمل بالردة في الآية الأخرى وهي قوله تعالى:(وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) المائدة/٥. للقاعدة الأصولية أن المطلق يحمل على المقيد لا يقال: التقييد بالموت على الردة في الآية الأولى إنما هو لأجل قوله: (وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة/٢١٧. لأنا نقول: كونه قيداً في إحباط العمل محقق، وأما جعله قيداً لما بعده فهو محتمل، فأخذنا بالمحقق وتركنا المحتمل، على أن الآية الثانية فيها التصريح بالتقييد بالموت من جهة أنه حكم على من كفر بالإيمان بأنه يحبط عمله، وبأنه في الآخرة من الخاسرين، وهذا مستلزم لموته على الكفر، إذ لو أسلم ومات مسلماً لم يقل في حقه: إنه في الآخرة من الخاسرين، وإنما يقال ذلك للكافر فقط، كما يشهد له استقراء النصوص، ومن ادعى خلافه فعليه البيان، أما بالنسبة لثواب أعماله التي سبقت الردة فإنه يحبط اتفاقاً منا ومنهم، أما عندهم فواضح؛ لأنه إذا وجب القضاء صارت تلك العبادات كأنها لم تفعل، وأما عندنا فكذلك كما نص عليه الشافعي رضي الله عنه في "الأم"، ويفرق على طريقته بين عدم وجوب القضاء وإحباط الثواب بأن ملحظ وجوبه عدم الفعل بالكلية أو وقوعه مع عدم الإجزاء، ولا شيء من هذين هنا؛ لأن الفرض أنه حال إسلامه فعل الواجبات بشروطها فوقعت مجزئة، فلا يجب قضاؤها إلا بنص صحيح صريح في ذلك، وقد عملت أن الآية المقيدة ناصة على خلافه.
وأما ملحظ الثواب فهو القبول بمعنى الإثابة، وبالردة يتبين أن لا قبول لأنه وجدت منه الآن حالة تنافي تأهله للثواب من كل وجه، فسقط حينئذ، وبعد سقوطه الأصل عدم عوده له حتى يدل دليل على عوده بالإسلام، فتأمل هذا الفرق فأنه دقيق، ولم أرَ من حام حوله ولا بأدنى إشارة.