قال رحمه الله: وأما التصوف فله تعلق بالقرآن لما ورد في القرآن من المعارف الإلهية ورياضة النفوس وتنوير القلوب وتطهيرها باكتساب الأخلاق الحميدة واجتناب الأخلاق الذميمة، وقد تكلمت المتصوفة في تفسير القرآن، فمنهم من أحسن وأجاد، ووصل بنور بصيرته إلى دقائق المعاني، ووقف على حقيقة المراد، ومنهم من توغل في الباطنية وحمل القرآن على ما لا تقتضيه اللغة العربية، وقد جمع أبو عبد الرحمن السلمي كلامهم في التفسير في كتابٍ سمَّاه «الحقائق»، وقال بعض العلماء: بل هي البواطل، وإذا أنصفنا قلنا: فيه حقائق وبواطل.
وقد ذكرنا هذا الكتاب في ما يستحسن من الإشارات الصوفية دون ما يعترض أو يقدح فيه، وتكلمنا أيضاً على اثني عشر مقاماً من مقامات التصوف في مواضعها من القرآن، فتكلمنا على الشكر في أم القرآن، لما بين الحمد والشكر من الاشتراك في المعنى، وتكلمنا على التقوى في قوله تعالى في البقرة:{هُدَىً لِلْمُتَّقِينَ}[البقرة: ٢]، وعلى الذكر في قوله فيها:{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}[البقرة: ١٥٢]، وعلى الصبر في قوله تعالى:{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}[البقرة: ١٥٥]، وعلى التوحيد في قوله فيها:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}[البقرة: ١٦٣]، وعلى المحبة في قوله فيها:{وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}[البقرة: ١٦٥]، وعلى التوكل في قوله في آل عمران:{فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}[آل عمران: ١٥٩]، وعلى المراقبة في قوله في النساء:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}[النساء: ١]، وعلى الخوف والرجاء في قوله في (الأعراف): {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا}[الأعراف: ٥٦]، وعلى التوبة في قوله في