قال رحمه الله: وكان القرآن على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم متفرقاً في الصحف، وفي صدور الرجال، فلما توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قعد علي بن أبي طالب رضي الله عنهم في بيته فجمعه على ترتيب نزوله، ولو وجد مصحفه لكان فيه علم كبير ولكنه لم يوجد.
فلمَّا قتل جماعة من الصحابة يوم اليمامة في قتال مسيلِمة الكذاب أشار عمر بن الخطاب على أبي بكر الصديق رضي الله عنهما بجمع القرآن مخافة أن يذهب بموت القراء، فجمعه في صحف غيرَ مرتب السور، وبقيت تلك الصحف عند أبي بكر، ثم عند عمر بعده، ثم عند ابنته حفصة أم المؤمنين.
وانتشرت في خلال ذلك صحف كتبت في الآفاق عن الصحابة، وكان بينها اختلاف، فأشار حذيفة بن اليمان على عثمان بن عفان رضي الله عنهما فجمع الناس على مصحف واحد خيفة من اختلافهم، فانتدب لذلك عثمان، وأمر زيد بن ثابت فجمعه وجعل معه ثلاثة من قريش: عبد الله بن الزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وسعيد بن العاص بن أمية، وقال لهم:«إذا اختلفتم في شيء فاجعلوه بلغة قريش»، وجعلوا المصحف الذي كان عند حفصة إماماً في هذا الجمع الأخير، وكان عثمان رضي الله عنه يتعهدهم ويشاركهم في ذلك، فلمَّا كمل المصحف نسخ عثمان رضي الله عنه منه نسخاً، ووجَّهها إلى الأمصار، وأمر بما سواها أن تخرق أو تحرق، يروى بالحاء والخاء المنقوطة (١).