قال المصنف رحمه الله (١): الحمد لله العزيز الوهَّاب، مالك الملوك وربِّ الأرباب، هو الذي أنزل على عبده الكتاب هدًى وذكرى لأولي الألباب، وأودعه من العلوم النافعة، والبراهين القاطعة غاية الحكمة وفصل الخطاب، وخصَّه بالخصائص العليَّة، واللطائف الخفيَّة، والدلائل الجليَّة، والأسرار الربَّانية العُجاب، بكل عجب عجاب، وجعله في الطبقة العليا من البيان حتى أعجز الإنسان والجانّ، واعترف زعماء أرباب اللسان بما تضمَّنه من الفصاحة والبراعة والبلاغة والإعراب والإغراب، ويسَّر حفظه في الصدور، وضمن حفظه من التبديل والتغيير، فلم يتغير، ولا يتغير على طول الدهور وتوالي الأحقاب، وجعله قولاً فصلاً، وحكماً عدلاً، وآية بادية، ومعجزة باقية يشاهدها من شهد الوحي ومن غاب، وتقوم بها الحجة للمؤمن الأوَّاب، والحجَّة على الكافر المرتاب، وهدى الخلق بما شرع فيه من الأحكام، وبيَّن من الحلال والحرام، وعلَّم من شعائر الإسلام، وصرف من النواهي والأوامر، والمواعظ والزواجر، والبشارة بالثواب، والنذارة بالعقاب، وجعل أهل القرآن أهل الله وخاصَّته، واصطفاهم من عباده وأورثهم الجنة وحسن المآب.
فسبحان المولى الكريم الذي خصَّنا بكتابه، وشرَّفنا بخطابه، فيا له من نعمة سابغة، وحجة بالغة، أوزعنا الله الكريم القيام بواجب شكرها، وتوفية حقها، ومعرفة قدرها، وما توفيقي إلا بالله هو ربي لا إله إلا هو
(١) كُتبَت هذه المقدمة اعتماداً على تحقيق الدكتور: محمد بن سيدي محمد بن مولاي للتفسير الذي طبع أثناء تنقيح هذا الشرح ومراجعته، فوثقت هذه المقدمة منه.