ومن آي القرآن ما قد ذكرنا أن الله جل ثناؤه استأثرَ بعلم تأويله، فلم يُطلعْ على علمه مَلَكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً ولكنهم يؤمنون بأنه من عنده، وأنه لا يعلم تأويله إلا الله. فأما ما لا بُدَّ للعباد من علم تأويله، فقد بيّن لهم نبيهم صلّى الله عليه وسلّم ببيان الله ذلك له بوحيه مع جبريل. وذلك هو المعنى الذي أمره الله ببيانه لهم فقال له جل ذكره: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: ٤٤]. ولو كان تأويل الخبر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ـ أنه كان لا يفسر من القرآن شيئاً إلا آياً بعَددٍ ـ هو ما يسبقُ إليه أوهامُ أهل الغباء، من أنه لم يكن يفسّر من القرآن إلا القليل من آيه واليسير من حروفه، كان إنما أُنزلَ إليه صلّى الله عليه وسلّم الذكرُ ليَترك للناس بيانَ ما أنزل إليهم، لا ليبين لهم ما أُنزل إليهم. وفي أمر الله جلّ ثناؤه نبيَّه صلّى الله عليه وسلّم ببلاغ ما أنزل إليه، وإعلامه إياه أنه إنما نزل إليه ما أنزل ليبين للناس ما نزل إليهم، وقيامِ الحجة على أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد بلّغ وأدّى ما أمره الله ببلاغه وأدائِه على ما أمره به، وصحةِ الخبر عن عبد الله بن مسعود بقيله: كان الرجل منا إذا تعلم عشرَ آيات لم يجاوزهُن حتى يعلم معانيهنّ والعملَ بهنّ ـ ما ينبئ عن جهل من ظنَّ أو توهَّم ـ أنّ معنى الخبر الذي ذكرنا عن عائشة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنه لم يكن يفسر من القرآن شيئا إلا آياً بعَددٍ، هو أنه لم يكن يبين لأمته من تأويله إلا اليسير القليل منه». (١) تفسير الطبري، تحقيق التركي ١/ ٨٣. (٢) أخرجه الترمذي في كتاب تفسير القرآن من حديث جندب بن عبد الله، برقم (٢٩٥٢).