ومن أمثلة وقوع الفهم وسؤال أهل العلم فيه: ما وقع من الصحابة رضي الله عنهم لما نزلت: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}[الأنعام: ٨٢]، فإنهم فهِمُوا أن المراد عموم الظلم، وقالوا:«وأينا لم يظلم نفسه»(١)، ولم يسكتوا على فهمهم هذا أو ينشروه، بل راجعوا النبي صلّى الله عليه وسلّم، واستفهموا منه.
وهذا المسلك ليس فيه تحجير على العقول كما قد يظنُّ بعض الناس، بل نقول: إن لكل علمٍ أصولاً، ومن لا يعلم أصول العلم فإنه لا يُقبل منه، وإذا كان لا يعرف الأصول، وكان قد فهم فهماً، فإنه لا ينشره حتى يسأل أهل العلم.
٢ - الهوى، ولا يقع ـ عادة ـ إلا من عالم: إما لأجل نصرة مذهبٍ، وإما لنصرة شيخ.
والعالم قد يكون عنده نقص في العلم في جهة معينة، فيقع منه الخطأ، وهذا ليس عيباً في العالم، إذ لا يلزم أن يحيط العالم بكل العلم حتى لا يُظنَّ منه الخطأ.
فائدة:
بعض الناس قد يقول بقولٍ ولا يستطيع التراجع عنه، فتجده يدافع عنه دفاعاً مستميتاً مع علمه اليقيني أن قوله خطأ، لكونه لم يؤدب نفسه على أنه إذا أخطأ قال: أخطأت، كما فعل مالك (ت١٧٩هـ) رحمه الله لما ردَّ على السائل وقال: «لا أدري»، فالهوى يدخل في القول على الله بغير علم؛ لأنه مخالف للحق.
(١) أخرحه البخاري في كتاب استتابة المرتدين من حديث عبد الله بن مسعود، ورقم الحديث (٦٩٣٧).