للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانياً: معرفة الصحيح من الضعيف من التفسير (الترجيح بين الأقوال):

إن التفسير وضرب الأمثال لما يصلح دخوله في معنى الآية = أوسعُ من مدلول الزمان في المكي والمدني، لكن قد يقع في بعض الأقوال ما يشير إلى تحديد المراد بالقرآن المكي بحدث مدني يكون هذا الحدث المدنيُّ صحيحاً من جهة التفسير، لكن لا يكون صحيحاً من كونه هو المراد الأول الذي نزلت من أجله الآيات، ومن أمثلة ذلك:

١ - قال ابن عطية (ت٥٤٢هـ) في قوله تعالى: {وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: ١٣١] «قال بعض المفسرين: سبب هذه الآية أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نزل به ضيف، فلم يكن عنده شيء، فبعث إلى يهودي ليسلفه شعيراً، فأبى اليهودي إلا برهن، فبلغ ذلك النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «والله إني لأمين في السماء، أمين في الأرض»، فرهنه درعه، فنَزلت الآية (١).

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا معترض أن يكون سبباً؛ لأن السورة مكية، والقصة المذكورة مدنية في آخر عمر النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنه مات ودرعه مرهونة بهذه القصة التي ذكرت.

وإنما الظاهر أن الآية متناسقة مع ما قبلها، وذلك أن الله تعالى وبَّخهم على ترك الاعتبار بالأمم السابقة، ثم توعدهم بالعذاب المؤجل، ثم أمر نبيه صلّى الله عليه وسلّم بالاحتقار لشأنهم، والصبر على أقوالهم، والإعراض عن أموالهم وما في أيديهم؛ إذ ذلك منصرم عنهم، صائر بهم إلى خزي» (٢).

٢ - قال ابن الجوزي (ت٥٩٧هـ) في قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى *وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: ١٤ - ١٥]: «وفي قوله تعالى: {فَصَلَّى} ثلاثة أقوال:


(١) أخرجه الطبراني في الكبير (١:٣٣١) عن أبي رافع قال الهيثمي: فيه موسى بن عبيدة الربذي، وهو ضعيف. مجمع الزوائد (٤:١٢٦).
(٢) المحرر الوجيز، ط. قطر (١٠:١١٥).

<<  <   >  >>