ما، بدلالة قوله «فاكتبوه»؛ أي: فارسموه بطريقة نطق قريش التي نزل القرآن أول ما نزل بلغتها.
فإن قلت: كيف يختلفون، وأمامهم المصحف ينقلون منه؟
فالجواب: إن زيداً لما كتب المصحف في عهد أبي بكر رضي الله عنه لم يكن معه مثل هذه اللجنة التي يُظَنُّ من اجتماعها على أمر اجتهادي ـ وهو رسم المصحف ـ أن تقع في اختلاف، وهذا يدلُّك على أن رسم المصحف لم يكن إلزاماً؛ لأن بينهم اختلاف تنوعٍ في الكتابة ـ أي: الرسم ـ، وليس هذا بغريب في علم الكتابة البتة، وما رُوي من أنهم اختلفوا في لفظ (التابوت) هل يُكتب بالتاء المفتوحة أو بالتاء المربوطة، فإنه يدل على ذلك النوع من الاختلاف، والله أعلم.
ومن باب الفائدة، فهنا مسألتان متعلقتان بنسخ عثمان رضي الله عنه للمصاحف:
الأولى: أن الأصل في القرآن المسموع المحفوظ في الصدور لا المرسوم:
إن رسم الكلمة بنوع من الرسم لا يمنع من قراءتها بما ثبت، وإن لم يرد بها الرسم، فالمحفوظ في الصدور أصل، والرسم فرع عنه، إذ هو صورة لذلك المحفوظ، ويظهر ذلك من عدد من الأمثلة، منها:
١ - رُسِم في جميع المصاحف لفظ (بضنين) بالضاد أخت الصاد، والقرأة على وجهين فيها بالضاد، وبالظاء التي لم يرد فيها رسم في المصاحف.
٢ - رُسِم في جميع المصاحف لفظ (الصراط) بالصاد، وقد قرئ قوله تعالى:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}[الفاتحة: ٦] بالصاد، والسين، وإشمام الصاد زاياً.
٣ - رسم في جميع المصاحف (لأهب لك)، وقد قرئ بالياء (ليهب).
وينشأ عن هذه المسألة مسألة أخرى، وهي أنَّ الكتبة للمصحف