وقد حكي أن قومًا من الأوائل كانوا يعظمون " زحل " بالتقديس
والتسبيح له وقالوا: إنه لا يعين على الحياة العرضية، بل هو سبب إنقاذنا من الدنيا الدنية، وقال بعض الأولياء في مناجاته: إلهي إن سألتك الحياة في دار الممات فقد رغبت في البعد عنك، وزهدت في القرب منك، فقد قال نبيك وصفيك:" من أحب لقاء اللَّه أحب اللَّه لقاءه، ومن كره لقاء اللَّه كره اللَّه لقاءه "،
وقال بعضهم: إن كان في قلة الحاجة الدنيوية غنًى ففي انقطاع الحاجة كلها الغنى الأكبر، ولا انقطاع لها إلَا بمفارقة الدنيا. فالدنيا سبب فاقتنا والعبودية لغير اللَّه تعالى، وقبيح بالعاقل صحبة الفاقة والتخصص
بعبودية غير رب العزة، والموت سبب كمال الإنسان، ومن رغب عن كماله فهو من الذين خسروا أنفسهم، ومن كره الموت أخرج من الدنيا كارهًا فيكون كعبد آبق رد إلى مولاه مأسورًا وقيد إلى حضرته مقهورًا، وشتان بين عبد دعاه مولاه فأتاه طوعًا وبين آبق أسر فأتي به قسرًا، وحق العاقل أن يكثر من ذكر الموت، فإن ذكره لا يقرب أجله ويفيده
ثلاثة أمور: القناعة بما رزق، والمبادرة بالتوبة، والنشاط في العبادة، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: " أكثروا ذكر هازم اللذات فإنه ما ذكره أحد وكان في ضيق إلا وسعه عليه، ولا في سعة إلا ضيقها عليه "
وقيل: ذكر الموت يطرد فضول الأمل ويقل من غرور المنى، ويهون
المصائب، ويحول بين الإنسان والطغيان.
[السرور والفرح]
السرور: انشراح الصدر بلذة فيها طمأنينة النفس عاجلَا وآجلًا، وذلك في الحقيقة إنما يكون إذا لم يخف زواله، ولا يكون ذلك إلَّا في القنيات الأخروية، ولذلك قيل:
لا سرور في الدنيا على الحقيقة، والفرح هو انشراح الصدر بلذة عاجلة غير آجلة، وذلك يكون في اللذات البدنية الدنيوية " ولهذا قال تعالى:(لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ)
وقال تعالى:(وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا)
فالفرح يدعو إلى النشاط، والنشاط يدعو إلى المرح، والمرح داعية الأشر، والأشر مقدمة