للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجسوم الخشنة وليس ذلك بفضيلة تامة، ولهذا قال الشاعر:

والصبر بالأرواح يعرف فضله ... صبر الملوك وليس بالأجسام

وذلك في الفعل؛ كالمشي، ورفع الحجر الثقيل، وفي الانفعال؛ كالصبر على

المرض، واحتمال الضرب والقطع.

والثاني: نفسي: وبه تتعلق الفضيلة، وذلك ضربان:

صبر عن تناول مشتهى ويقال له: العفة، وصبر على تحمل مكروه أو محبوب

وذلك تختلف أسماؤه بحسب اختلاف مواقعه، فإن كان ذلك في نزول مصيبة فإنه لم يتعد به اسم الصبر، ويضاده الجزع والهلع والحزن، وإن كان في احتمال غنى فقد يسمى ضبط النفس ويضاده الترفع والبطر، وإن كان في محاربة سمي شجاعة ويضاده الجبن، وإن كان في إمساك النفس عن قضاء وطر الغضب سمي حلمًا ويضاده التذمر، وإن كان في نائبة مضجرة سمي سعة الصدر ويضاده ضيق الصدر والضجر والتبرم، وإن كان في إمساك كلام في الضمير سمي كتمان الشر ويضاده الإفشاء، وإن كان في الإمساك عن فضولات العيش سمي قناعة وزهدًا وهذا يضاده الشره والحرص،

ويكون الصبر عاما قال اللَّه تعالى: (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ)

فذكر أنهما يصبرون في البأساء، أي: في الفقر، والضراء، أي: في المصيبة، وحين البأس، أي: في المحاربة. وقال بعضهم: ضبط النفس يقال في الأشياء الملذة، والصبر يقال في الأشياء المحزنة، وقال بعضهم: بل هما من الأسماء المترادفة على معنى واحد،

فإن قيل: ما معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " الصبر نصف الإيمان "، قيل: لما كان جميع المحامد ضربين: ترك الشر - ويعبر عنه بالصبر - وفعل الخير - ويعبر عنه بالشكر -

صار الصبر الذي هو ترك الشر نصف الإيمان.

[الشجاعة]

الشجاعة: إن اعتبرت وهي في النفس فصرامة القلب على الأهوال وربط الجأش في المخاوف، وإن اعتبرت بالفعل فالإقدام على موضع الفرصة، وهي فضيلة بين التهور والجبن، وهي تتولد من الفزع والغضب إذا كانا متوسطين، فإن الغضب قد يكون مفرطًا كمن يحتد سريعًا من أشياء صغيرة، وقد يكون مقصرًا كمن لا يغضب من الاجتراء على حرمه وشتم أبيه وأمه، وقد يكون متوسطًا على ما يجب في وقت

<<  <   >  >>